06.30.2013
خالد البرى
الحكم الإخوانجى فعل موبقات السلطة كلها، كما يقول الكتاب، لكن جريمته الأصلية هى الإقصاء.
النية منذ البداية لإزاحة الجميع والاستفراد بالسلطة وتوزيعها على الأهل والعشيرة.
والحقيقة أن هذا عيب لم يكن ممكنا تجنبه، وسيكون من الصعب جدا جدا تجنبه فى المستقبل.
ليس عند الإخوان فقط، بل عند غيرهم من الحركات الإسلامجية السياسية، بوسطييها بمعتدليها
بإرهابييها بانتهازييها، لماذا؟ لأن عقيدتهم السياسية، وعقيدة جمهورهم مبنية على هذه المتوالية:
الله واحد، الحق واحد، الإسلام هو الحق، نحن نحكم بالإسلام، نحن على الحق.
وهى متوالية، كما ترين، محصنة دينيا من مجرد التفكير فيها. كل عبارة فى الجملة على يمينها
نار أبدية فى الآخرة، وعلى يسارها عقوبة قتل فى الدنيا. كلها ما عدا عبارة «نحن على الحق»،
فتلك التى فيها نظر. وما دام فيها نظر فلا بد لها من سلطة تؤكدها،
وتزع بالسلطان ما لم يذكر فى القرآن.
هذا الإقصاء، وشعور الاستعلاء المثير للسخرية، جعلهم ينقلبون على حلفائهم، ويظهرون أمام الجميع
بصورة الإنسانة الخبيثة. التى ليس لها صاحبة. والتى «فى الوش مراية وفى القفا سلاية».
فى كل خطوة يبررون ذلك لأنفسهم بتبريرات لا تنطلى على ذات عقل سليم. تبريرات
لا يمكن أن تقبلها إنسانة إلا لو نزل بها وحى. هذه هى مشكلتهم الوحيدة،
ليس عندهم وحى؟! عندهم منامات وأحلام، لكن الوحى!
طيب ما إحنا قلنا الكلام دا ميت مرة!
صحيح، قلناه على الإخوان، لكننا لم نتحدث عن الإقصاء بالشكل الكافى.
فمشكلتنا، مع الإخوان وغيرهم، انتشار ثقافة الإقصاء. انتشار ثقافة حاملى أختام الحق،
وحاملى أختام الوطنية، وحاملى أختام الثورية. مشكلتنا هى الوجود الطاغى، الدائم، المتجدد،
لجماعات من الناس تعتقد أنها على الحق دائما. وتعتقد أن الحق سينتصر لأنه حق.
لأنه مدعوم بقوة غير منظورة، وبإيمان راسخ. أكرر هذه مشكلتنا مع إسلامجية ومع غيرهم.
ليست مرتبطة بالدين فقط، إنما مرتبطة بالوعى بالكون من حولك.
لكننا الآن فى مفرق آخر. فى أيام بناء جديد بعد أن فشلت ٢٥ يناير فى تحقيق أهدافها السياسية،
إنما فعلت فعلا رائعا فى تنمية وعى المجتمع. نحن الآن نختبر هذا الوعى الجديد.
والسؤال الذى يجب أن نسأله جميعا، كل واحد وواحدة لنفسها،
هو: هل أسعى لوطن يسع الجميع؟ أم أريد وطنا على مقاسى الخاص؟
لا يهم أن تكون الإجابة النظرية على الشق الأول «نعم بالطبع».
لا يهم، المهم أن نعرف معنى هذا فى الممارسة السياسية.
كما أن هذا لا يتعارض مع رغبة كل واحدة وواحد منا فى وطن على مقاسه الخاص.
هذه أمنية سعيدة جدا، وإنسانية جدا. لكنها عند التطبيق تضعنا فى حرج التفكير فى الوسيلة
التى نصل بها إلى هذا الوطن. الوسيلة الخطأ هى إقصاء الآخرين ومحاربتهم وإرغامهم على الخنوع،
لكى يصير الوطن كله على مقاسك الخاص. أى الفاشية والسلطوية بعينها، لماذا؟
لأنك مددت مقاسك جدا جدا، بطمع، وجشع، بحيث أردت أن يبتلع أنصبة الآخرين.
هذا الكلام ينطبق على القوى الثورية التى تريد أن تحدد للمواطنين مَن مِن حقه أن يتظاهر
ومن ليس من حقه. وينطبق على من يظن من أنصار النظام القديم أن ٣٠ يونيو مقدمة لـ«قمع مبرر»
أو انفراد بالسلطة. فلننظر إلى ٢٥ يناير وإلى ٣٠ يونيو ونتعلم.
السلطوية والإقصاء لا مكان لهما.
٣٠ يونيو اعتراض على الإقصاء الإخوانجى، كما كانت ٢٥ يناير اعتراضا على الإقصاء المباركى.
وهى بالتالى اختبار لمن تقبل وتريد وتظهر أنها قادرة على التعامل مع غيرها من المواطنين،
واختبار لمن تسير على خطى الإخوان والنظام السابق وهى لا تدرى أنها سائرة على خطى الإخوان
والنظام السابق. ولا تدرى أننا تعلمنا الدرس. لن ينفرد رأى واحد بحكم مصر.
فليبدأ كل منا بنفسه. لا تنسحبى، انزلى وادعمى السماحة وقبول الآخرين وقولى لا للإقصاء.
هذه هى قضية مصر الأساسية فى السياسة والحكم والتعليم والتربية والمجتمع والتدين. هذه قضيتنا.