08.01.2013
فى يوم 19 من شهر سبتمبر سنة 2011، كتبت مقالاً فى جريدة الشروق المصرية
بعنوان «حسن البنا بين الآمال والآلام». وفى منتصف اليوم الذى نُشر فيه المقال
تلقيت اتصالاً من أحد كبار الإخوان المسلمين وكان فى خارج مصر يلومنى فيه على المقال
باعتبار أن ما ذكرته هو كلام جرايد. فسألته بأدب شديد: هل قرأت المقال بنفسك
وأدركت أن النقول التى نقلتها هى كلام جرايد؟ قال: لا، لم أقرأه بنفسى ولكن اتصل بى من أثق فيهم
وقالوا لى هذا الكلام. قلت له: عندما تعود من الخارج نتحدث فى هذا النقل غير الموضوعى
ممن تثق فيهم، حيث إن كل النقول التى أشرت إليها فى المقال هى من مراجع ومصادر
موثوقة وليس بينها أبداً سطر واحد من كلام الجرايد.
وقلت بينى وبين نفسى: إن مبدأ الثقة فيمن ينقل نقلاً كاذباً أو غير موضوعى،
أو من لا يستطيع أن يفهم النصوص أو من لا يرى الخطر قبل وقوعه، أو من لا يكون فى صدر
أولوياته وحدة الوطن واستقراره، حباً فى سلطة زائلة أو جاه غير دائم،
إنما يسهم بذلك فى تهيئة بيئة للعنف والفوضى والإرهاب.
أعيد هنا ذكر بعض النصوص التى أوردتها فى ذلك المقال الذى عرّض أيضاً بعض الكتّاب فى جريدة الشروق
يومها لضغوط، حتى لا ينشروا مقالات من هذا النوع فى المستقبل.
من النقول فى ذلك المقال ما يلى:
ومن أجمل ما قال الإمام البنا بهذا الخصوص فى آخر رسالة التعاليم الجامعة
عن تلك التعاليم المهمة للأخ وخصوصاً فى القيادة ما يلى:
«وأعتقد أنك إن عملت بها وجعلتها أمل حياتك وغاية غاياتك، كان جزاؤك العزة فى الدنيا والخير
والرضوان فى الآخرة، وأنت منا ونحن منك، وإن انصرفت عنها وقعدت عن العمل لها فلا صلة بيننا وبينك،
وإن تصدرت فينا المجالس، وحملت أفخم الألقاب وظهرت بيننا بأكبر المظاهر، وسيحاسبك الله
على قعودك أشد الحساب. فاختر لنفسك ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق».
كما قال أيضاً فى موقف مؤلم آخر: لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لعدت بالإخوان إلى «أيام المأثورات»،
مما يعنى أنه شاهد ممارسات سيئة لم يقرها الإمام، وأصحابها كانوا بحاجة إلى مزيد من الفهم والتربية
والإدراك، بل وامتلاك بعض القدرات التى ذكرناها من قبل، فضلاً عن الإيمان بأركان البيعة العشرة
وهى: الفهم، الإخلاص، العمل، الجهاد، التضحية، الطاعة، الثبات، التجرد، الأخوة، والثقة،
وكذلك التحلى بصفات الأخ المسلم العشر وهى: أن يكون: سليم العقيدة، صحيح العبادة،
متين الخلق، قوى البدن، مثقف الفكر، مجاهداً لنفسه، نافعاً لغيره،
منظماً فى شئونه، محافظاً على الوقت، قادراً على الكسب.
ولهذا يكون على الجميع وخصوصاً فى القيادة التنفيذية أن يتجنبوا أى اجتهاد فردى شاذ
أو مخالف للدعوة داخل الاجتهاد الكبير البارز فى دعوة الإخوان. إن ممارسات بعض أعضاء
الجهاز الخاص، الذى يطلق جهاز الأمن فى مصر عليه الجهاز السرى كانت فى وقت بعض الأزمات،
ممارسات شائنة وإجرامية، ولا بد أن نعترف بذلك كما اعترف الإمام البنا.
وأود أن أؤكد أن مثل هذه الممارسات فى السابق أو الحاضر أو اللاحق إن حدث سيلحق بالدعوة
خطراً عظيماً، وكذلك أى انحراف عن الصفات أو الأخلاق التى ارتقت بالدعوة.
وليس من حق بعض القيادات الإخوانية التنظيمية أن تغضب من النقد وخصوصاً بعد الثورة والعلنية
وضرورة الشفافية، أو أن يعيشوا بنفس الروح والعقلية التى كانت سائدة قبل الثورة،
وهو ما ألحق بالدعوة أذى كثيراً وعطل برامجها وخططها وأضر بشعبيتها وسمعتها.
ولعل الجميع يدركون مغزى ما قال الإمام البنا فى صدر رسالة المؤتمر الخامس:
«ولا بأس أن ننتهز هذه الفرصة الكريمة فنستعرض برنامجنا، ونراجع فهرس أعمالنا،
ونستوثق من مراحل طريقنا، ونحدد الغاية والوسيلة، فتتضح الفكرة المبهمة، وتصحح النظرة الخاطئة،
وتُعلم الخطوة المجهولة، وتتم الحلقة المفقودة، ويعرف الناس الإخوان المسلمين
على حقيقة دعوتهم، من غير لبس ولا غموض».
ثم يواصل الإمام البنا الكلام العظيم اللازم للتصويب وتصحيح المسار فى أى دعوة دينية أو سياسية،
ويؤكد فيما يقول ويكتب على المنهج الذى تتبعه بعض الجامعات الشهيرة فى الغرب من الافتخار
والاعتزاز بخريجيها أمام الممتحنين الآخرين من خارج جامعتهم ويطلق عليهم لفظ
«الممتحن الخارجى» فيقول أيضاً فى صدر رسالة المؤتمر الخاص:
«لا بأس بهذا، ولا بأس بأن يتقدم إلينا من وصلته هذه الدعوة ومن سمع أو قرأ هذا البيان،
برأيه فى غايتنا ووسيلتنا وخطواتنا، فنأخذ الصالح من رأيه، وننزل على الحق من مشورته؛
فإن الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم». انتهى كلام الإمام البنا النفيس.
كما قال الإمام البنا عن أهل العنف: «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين».
وقد أحسن الإمام البنا عندما قال فى آخر رسالة المؤتمر الخامس مشيراً إلى الداء:
«ضعف الأخلاق وفقدان المثل العليا، وإيثار المصلحة الخاصة على المصلحة العامة،
والجبن عن مواجهة الحقائق، والهروب من تبعات العلاج والفُرقة قاتلها الله، هذا هو الداء.
والدواء كلمة واحدة أيضاً هى ضد هذه الأخلاق، هى علاج النفوس أيها الإخوان وتقويم أخلاق الشعب».
عودوا إلى الصواب أيها الإخوان، وإلى كلمة الحق ولو جاءت من مشرك كما جاء
فى مقدمة عيون الأخبار لابن قتيبة: «ولن يزرى بالحق أن تسمعه من المشركين
ولا بالنصيحة أن تُستنبط من الكاشحين، ومن ترك أخذ الحسن من موضعه أضاع الفرصة
والفرصة تمر مرّ السحاب». هكذا كان المقال الذى لم يقبله الإخوان وليس فيه نقل واحد من الجرايد.
والله الموفق.