07.13.2013
خالد البرى
لماذا تنجح الصين فى التقليد، لكنها لا تنجح، حتى الآن، فى الابتكار؟
لماذا تنجح دولة حديثة مثل إسرائيل فى أن تضع نفسها وسط أفضل الدول فى التكنولوجيا؟
وتفشل دول العرب الغنية الثرية فى تقديم أى نموذج حضارى، فى أى وجه من أوجه الحياة الإنسانية؟
لماذا لا تنتج المجتمعات المستبدة أدبا ولا فنا راقيا، باقيا، إلا الأدب الذى ينتقدها،
والفن الذى يخرج عن أعرافها، ولو تواريا؟
هذا سؤال مهم. ينبغى أن لا تخدعك فيه القصص غير المكتملة التى يسوقها أنصار الاستبداد.
المستبدون القدامى الذين نقلوا دولهم نقلات إلى الأمام، من خلال دعم النخبة، فى بلاط القصر،
مستبدون جاؤوا فى ظروف مختلفة. بمعنى أن عصرهم أتاح لهم من النفوذ
ما جعل لهم «بلاط قصر» بداية. وما جعل باقى الشعب فى حالة نفسية
تجعله منتظرا ما يجود به بلاط القصر عليه ليتلقفه.
لقد كان الاستبداد حاضرا بقوة.. وبالتالى فإن المستبد المستنير
مُدِحَ على استنارته، وليس على استبداده.
أما وإن عالمنا لا يتيح أيا من هذه الظروف. أما وإن عالمنا قد فتح آفاق الناس على غيرهم من الناس.
وجعل نسبة كبيرة من المواطنين العاديين، فى أى بقعة من مصر،
قادرين على الوصول إلى مصدر ما للمعلومة. وقادرين على الاقتناع بسبيل آخر،
ومنهج آخر، فإن وجود «المستبد المستنير» يعنى الفقرة التالية.
يعنى أن نأتى بشخص يأخذ منا الحريات القليلة التى حصلنا عليها، ليصير مستبدا.
ثم لن يعطينا من الاستنارة أكثر مما نعرف فعلا.
٢
ثم إن عهد المستبد المستنير كان، بالضرورة، متخلفا فى معارفه عن عصرنا.
بمعنى أن الديمقراطية لم تكن راسخة كمفهوم، ولا مجربة. العودة إلى عصر ما قبل الديمقراطية
للبحث عن نقطة تاريخية مضيئة، مستنيرة، تشبه عودة الأصوليين إلى عهود ما قبل التنوير للبحث
عن نقطة مضيئة فى التاريخ. عهود لم يكن عدد السكان فيها كعددهم حاليا، ولا مستوى تعليمهم
كمستواه حاليا، ولا اهتماماتهم ونسبة القادرين على الحصول على المعلومة مثل الوضع حاليا.
من كل ناحية، عهد «المستبد» عهد قديم قديم، ليس من زماننا. أضيفى إليه ما تريدين من صفات.
سيبقى عصر المستبد. سيبقى عصر ما قبل وسائل الإنتاج الحديثة، وعلاقات العمل الحديثة،
والحقوق القانونية الحديثة، والأفلام الحديثة، والعالم الحديث. سيبقى متصارعا مع كل هذا.
ماذا نريد إذن؟ نريد ابنة عصرنا وابن عصرنا. الديمقراطية المستنيرة. الديمقراطى المستنير.
وأعنى بهذا من يفهمون ما الديمقراطية. يرون رشاقتها الفرنسية، ورجاحتها البريطانية،
وبريتها الأمريكية. الديمقراطية كونها أقرب مثال سياسى نعرفه إلى الإنسانية الطبيعية،
التى تقدم الخير، لكنها تعاقب على الغدر.
٣
نحن نحتاج إلى الحكم العادل. الذى يصر على الـ«fair play» على اللعب النزيه الملتزم بالقواعد.
الذى يدافع عن حرية الفكرة، مقابل الفكرة. على حريتهما معا.
الذى يثق أن الفكرة الأنسب ستنتصر، لو منحناها المجال.
على كل عيوب الفترة الانتقالية بعد «٢٥ يناير»، فإن فيها ميزة أكبر من كل العيوب،
أنها أثبتت أن سلاح الأفكار السيئة هو الإرهاب. وأن مجرد انفتاح المجال للمنافسة بين الأفكار
يخدم صوت العقل والمنطق والمتعة والسعادة. وأن نسبة لا بأس بها، ومنطقية تماما فى ضوء المتاح
من أفكار عقلانية فى السوق، تنتقل من خانة تعطيل العقل إلى خانة تشغيله.
الحكم الديمقراطى العادل هو ذلك الذى يخير القوى السياسية بين الديمقراطية أو الاستبداد.
إن أردتم الديمقراطية فبها ونعمت، ولكن ديمقراطية بمعنى الكلمة. بلا استثناءات. وبلا ثغرات.
وبلا استغلال للدين، ولا انتقاص من حقوق المواطنين، ولا تدخل فى الحياة الشخصية للأفراد.
الحركات السياسية التى توافق على هذا يتعامل معها الحكم بديمقراطية. ومن تصر على الاستبداد
يتعامل معها الحكم، بقواعدها، وبسيف القانون المعلن.