07.20.2013
خالد البرى
هناك نوعان من البلطجية. النوع الأول هو البلطجى التقليدى،
الذى يعرف أنه بلطجى، ويرتب حياته على هذا الأساس.
النوع الثانى البلطجية الذين يرغبون فى جمع النقيضين، البلطجة والوجاهة الاجتماعية.
هذا النوع خطير. ومكمن الخطورة أنه يروج للبلطجة، بوصفها شيئا آخر غير البلطجة،
وأنها ليست مرتبطة بالضرورة بالمظهر المنفر والسلوك اليومى المنفر الذى يتعمده البلطجى.
ترين أمثلة لهذا النوع فى صاحب النفوذ السياسى البلطجى، أو الضابط البلطجى،
أو المحامى البلطجى، أو موزع البضائع البلطجى، أو المدرس البلطجى.
لكن كل هذه الأمثلة تتوارى خجلا أمام الإسلامجى البلطجى. لأن هذا رفع البلطجة إلى مرتبة جديدة،
من البلطجى المستبيع، إلى البلطجى الوجيه، والآن إلى البلطجى التقى الورع الذى -
يا للهول- ينال حسنات على بلطجته، ووعدا بالجنة الأبدية.
- على إيه؟
- على بلطجته. والنيعمة زمبؤلك كده.
البلطجى الوجيه لا يمارس البلطجة بنفسه، بل عادة من خلال آخرين، وحفاظا على الوجاهة الاجتماعية.
الإخوان وفروا حلا سحريا لهؤلاء. فى دولتهم القصيرة أظهروا
أن أيا من هؤلاء يستطيع أن يتوكل على الله ويبلطج،
مافيش داعى للكسوف، ما دام بلطجته لوجه الله. فرأينا اسم النبى
حارسهم دكاترة يقودون ميدانيا جماعات بلطجة وتحرش.
إنما الإسهام الإخوانى الأساسى فى سوق البلطجة كان إتاحة الفرصة لفئتين جديدتين
من مشاة البلطجية، فئتين من الناس لم يهتم بهما من قبل أحد، أقصد لم يأخذ أحد رغباتهم القوية فى البلطجة
على محمل الجد، ويهيئ لهم ظروفا تسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم:
الفئة الأولى هى فئة الراغبين فى البلطجة من أبناء الطبقة الوسطى لكن «أخلاقهم»
لم تكن تسمح لهم بذلك. كما أن قدراتهم، كونهم من أبناء الأربعة حيطان، لم تتطور إلى الدرجة ا
لتى يحتاجها بلطجى. بس هو حاسس إنه زى بابا بالظبط، فى الشدة شديد،
وفى القوة قوى، قوى قوى. وأجمد من بابا كمان.
لقد وجد هؤلاء فى الإخوان فرصة سحرية لتحقيق حلم حياتهم بالسلطة، و«لفتونة»،
مع الاحتفاظ بصورة الولد المتربى اللى ماتطلعش منه العيبة، ودون الحاجة إلى اختبار حقيقى
لقدراتهم على البلطجة وسط البلطجية «الحقيقيين» الذين يفتخرون ببلطجيتهم. نتذكر طبعا
طلاب الجامعات والموظفين الذين يشاركون فى فض الاعتصامات بأيديهم. ونتذكر فيديو
«البلطجى الإخوانجى» اللى بيطمن ماما على الموبايل إن كل حاجة تمام.
هذا يعنى أن الحركات الإسلامجية نجحت فى ضخ عدد كبير من البلطجية الجدد فى سوق البلطجة،
صاروا يتنافسون مع البلطجية الأصليين أصحاب الكار. ويعنى أن الإسلامجية لم يلتزموا
بالتفرقة الطبقية فى كار البلطجة. فجعلوا حتى أبناء الطبقة الوسطى، وخريجى الجامعات،
ينافسون بلطجية العشوائيات والمناطق الفقيرة فى سوق العمل. والأنكى أنهم ينافسونهم
فى نفس المهام والتخصصات التى كانت حكرا على البلطجية الفقراء. دا كلام؟!
أما الفئة الثانية التى أتخم بها الإسلامجية سوق البلطجة فهم البلطجية «قليلو المهارة»
من أبناء المناطق الفقيرة والعشوائيات، الذين حاولوا البلطجة على أصولها وفشلوا،
ربما لضعف نفسى أو بدنى، أو لفشلهم فى الانضواء إلى عزوة. لكنهم فى ظل الإخوان ظنوا
أنهم بقوا «أسياد المنطقة». بالبلدى الإخوان خلوا «البلطجة لمت فشخ».
لكنهم أيضا أوغروا الصدور.
هل خمنت ما أرمى إليه؟
إن صراعا دائرا فى أوساط «البلطجية» يشبه الصراع الدائر فى دوائر النخب.
هو أيضا صراع على النفوذ، وهو أيضا صراع على أكل العيش المرتبط بهذا النفوذ.
كما أن كليهما يحمل سندا فكريا. بلطجية يقولون إن الكار «له أصوله»
وما ينفعش تدخلى فيه ناسا لا يملكون كفاءاته ولا قدراته. وهؤلاء، كأقرانهم فى النخبة،
يرفضون استخدام الدين لمصالح بلطجية بحت.أما البلطجية من الإسلامجية فكما أشرت متكبرون،
يؤمنون بالمغالبة، ويظنون أنهم أفضل من غيرهم من البلطجية لمجرد أنهم يهتفون:
الله أكبر وهم يبلطجون، ويعتقدون أن البلطجة يجب أن تكون محدودة بحدود الشرع الحنيف..
أو كما ورد فى الهتاف الخالد «أنا نذرت نفسى لله يا ولاد المتـ...».
هل هناك بلطجية وسطيون؟
لو بصيتى على الخناقات الأخيرة اللى حصلت بين إسلامجية وبين بلطجية مناطق هتشوفى ناس
كتير واقفين مع الإسلامجية، مكترين عددهم، أو بيتكلموا مع اللى عايز يصور،
لكن مبيشاركوش فى الضرب نفسه. دول البلطجية الوسطيين.
إن الصراع «السياسى» فى مصر منعكس فى جميع أوجه الحياة فيها، وليس فقط بين طبقة السياسيين.
وبالتالى فإن طبقة السياسيين، على نفوذها، لن تحسمه وحدها.