07.31.2013
قالت مؤسسة كارنيجى الأمريكية للسلام الدولى، إن التماسك والوحدة الذين طالما حافظت عليهما الأحزاب
والتيارات الإسلامية، سواء فى الشارع أو البرلمان فى أعقاب الربيع العربى،
قد يكونان فى خطر بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسى من حكم مصر.
وأضافت المؤسسة فى تقرير لباحثها رافيل لوفيفر، منشور بالدورية الصادرة عنها "صدى"،
أن جماعة الإخوان المسلمين فى مختلف أنحاء المنطقة حاولت أن تنأى بنفسها على أساليب الحكم
الذى انتهجها التنظيم الأم فى محاولة منها للصمود فى وجه العاصفة، إلا أنه على الرغم من الميل إلى التركيز
على أسلوب الإخوان فى الحكومة، وتصويره على أنه السبب الرئيسى لسقوطهم، فإن هناك تحديات جوهرية
أخرى تهدد وحدة التنظيم ومستقبله، ومصير الفروع الأخرى المنبثقة منه.
ورصد التقرير مواقف التيارات الإسلامية الأخرى فى العالم العربى المنبثقة من الإخوان المسلمين فى مصر،
وقال إنه كما كان متوقعا، أثارت إطاحة الرئيس محمد مرسى فى مصر استهجانا وقلقا شديدا
لدى الأحزاب الإسلامية التى تجمعها روابط بالإخوان فى المنطقة، لكنها حرصت على أن تنأى بنفسها
عن الأسلوب المتعنت فى القيادة الذى انتهجته الجماعة فى مصر.
وتحدث التقرير عن موقف راشد الغنوشى، زعيم حزب النهضى التونسى، حيث قال: "نحن فى تونس
قدمنا تنازلات فى مجال الدستور حتى يمثل جميع التونسيين"، وأضاف: "نعيش فى ظل حكومة ائتلافية،
وللسلطة رؤوس ثلاثة كل منها ينتمى إلى حزب كبير ومعروف، وكلها لها مشاركة حقيقية فى الحكم"،
ويستدل حزب النهضة على ذلك بما حدث فى فبراير الماضى، فعندما نزل الآلاف إلى شوارع تونس
للاحتجاج ضد الحكومة، عمد الحزب الإسلامى فى غضون أيام قليلة إلى استبدال رئيس الوزراء
وتعيين تكنوقراط توافقيين فى الوزارات الحساسة جداً.
من ناحية أخرى، أكد المتحدث باسم الإخوان المسلمين فى سوريا، فى كلام جرئ،
أن الإخوان ارتكبوا "خطأ" فى مصر. وأضاف أن "مصر كانت أشبه بسفينة تغرق،
ولا يمكنكم تغيير الوضع بالطريقة التى تعتمدونها؛ أعتقد أنه علينا العمل ضمن ائتلاف".
وفى المغرب، أكد زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم، عبد الإله بنكيران، قائلاً:
"نحن حزب العدالة والتنمية لا صلة لنا بالإخوان المسلمين".
إلا أن التقرير يشير إلى أن أسلوب الجماعة فى الحكم لم يكن السبب الوحيد المسئول عن سقوطها فى مصر،
ويرى أن هناك عوامل أخرى أساسية تؤثر فى فروع التنظيم الأخرى، ومن بينها الفشل فى إنتاج
قادة أكثر شبابا وبرجماتية، ولذلك سيظل "الحرس" القديم مسيطرا على الجماعة.
وتحدث تقرير كارنيجى عن استياء الناشطين الشباب فى جماعة الإخوان المسلمين مما اعتبروه تدخلا مفرطا
من قياديهم المنتمين إلى الحرس القديم فى تشكيل قيادة حزب الحرية والعدالة. ويمضى قائلا إنه
بما أن الإخوان المسلمين يركزون على الولاء للحزب، فإن معظم الجماعات التابعة لهم فى المنطقة
يقودها أيضاً الأشخاص أنفسهم منذ عقود. فعلى سبيل المثال، لا تثق القيادة فى حزب النهضة
وجماعة الإخوان المسلمين السورية، بالأعضاء الشباب، وأولئك الذين لم يسجنوا أو يتعرضوا للتعذيب،
الأمر الذى أدى فى معظم الأحيان إلى خروج الشباب الموهوبين من بعض فروع الإخوان.
ومن بين العوامل الأخرى التى يراها الكاتب من أسباب فشل الجماعة هو غياب الفصل بين جهود التواصل
مع الناس (الدعوة) وبين الدور السياسى. ففى مصر، يرى كثيرون أن جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة
هما عملياً التنظيم نفسه فى ظل الصلة الوثيقة جداً بينهما، إلى درجة أنه لم يكن هناك تمييز بين تأثيرات
سياسات مرسى على حزب الحرية والعدالة وبين تأثيراتها على الإخوان.
من شأن الفصل الواضح بين الجناح الاجتماعى- الدينى وبين الجناح السياسى للإخوان،
أن يساهم فى حل المعضلة التى يواجهها الإخوان المسلمون بشأن الجهة التى يجب أن تكون المصدر الأعلى
للسلطة فى السياسة. كما أن هذا الفصل يوضح للناخبين من يمسك فعلاً بزمام السلطة داخل الحزب،
وفى البلاد: هل هو المرشد العام محمد بديع أم الرئيس محمد مرسى فى جماعة الإخوان المسلمين المصرية،
أو راشد الغنوشى أم رئيس الوزراء التونسى على العريض فى حزب النهضة.
من ناحية أخرى ذكر تقرير كارنيجى أن معظم الحركات الإخوانية فى المنطقة غير متجانسة إلى حد كبير،
إذ تتألف من طيف واسع من الآراء المتعلقة بمسائل التمثيل الأيديولوجى والإقليمى،
وتمثيل الأجيال على مستوى القيادة، وقد أدى غياب الإصلاحات العميقة، وبالتالى غياب التقدم،
داخل بعض التنظيمات إلى انقسامات خلال العامين الماضيين، وهذا ما دفع مثلاً
الإسلاميين المعتدلين البارزين، عبد الفتاح مورو وعبد المنعم أبو الفتوح، إلى الانشقاق عن حزب النهضة
والإخوان المسلمين على التوالى فى العام 2011. وفى الوقت نفسه، انشقت مجموعة من الشباب
عن جماعة الإخوان المسلمين السورية، لأنها شعرت بأن قيادة التنظيم المحلى لا تمثلها،
وأنشأت مجموعة العمل الوطنى التى تشكل عنصرا فعالا ضمن المعارضة السورية. لكن حتى الآن،
وعلى الرغم من هذه الانشقاقات الرمزية، ظل السواد الأعظم من الأعضاء المنتمين
إلى جماعات الإخوان المسلمين فى المنطقة، موالين للقيادات الحالية.
وحذر كارنيجى من أن السجال الدائر حالياً فى صفوف الإسلاميين حول ما إذا كان العنف مبرراً للرد
على إطاحة مرسى، قد يتحول بطبيعة الحال سبباً للتباعد الشديد، وأشار إلى أن الجدل
حول قضية اللجوء إلى العنف، قد أثار الانقسامات فى صفوف الإخوان المسلمين فى سوريا فى الثمانينيات،
وعلى الرغم من إتمام المصالحة لاحقاً بين الفصائل المختلفة، لا تزال التشنجات مستمرة.
وكذلك فى تونس، أدت المحاولات المتتالية التى بذلتها مجموعة منشقة لخلع بورقيبة وبن على من الحكم،
فى أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، إلى حدوث تصدّع داخل تنظيم الإخوان المسلمين.
وقد تثير الدعوة إلى العنف انشقاقات جديدة فى صفوف الإخوان، لكنها قد لا تكون مؤقتة هذه المرة،
فى ظل المسائل المتعددة الأخرى التى تثير الخلافات الداخلية بين أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.