08.08.2013
خالد البرى
منبع الإحباط الشعبى من الحوار الذى أُدير مع جماعة الإخوان المسلمين لم يكن رفض مبدأ حل المنازعات
بالطرق السلمية، إنما كان الإحباط نابعًا من الإحساس الشعبى بسوء إدارته سياسيًّا.
السؤال إذن: هل هذا الإحساس الشعبى على صواب؟ وهنا ينبغى الإشارة إلى بضع نقاط.
أولًا: الإخوان المسلمون أشعروا جمهورهم بأنه يحرز نجاحات، وبأنهم وحلفاءهم صف واحد لا تصدع فيه،
وسواء كان هذا حقيقة أم مبالغة، فإن تلك هى الإشارة التى نجحت الآلة الإعلامية للإخوان فى توصيلها،
بينما الآلة الإعلامية للحكومة المصرية الحالية ركّزت على «الجدل الأخلاقى».
والآلة الإعلامية للظهير الشعبى لهذه الحكومة أبرز تصدعات تصل إلى حد تخوين «الحلفاء».
ثانيًا: من المهم أن يشعر كل طرف بأنه «الأعلى أخلاقيًّا»، لكن الأهم فى النهاية هو الثقة بتحقيق الغرض،
وهنا فإن السياسيين الجيدين يخاطبون الشعب بالحجج العملية، بالحديث عن الإيجابيات والسلبيات،
ومناقشتها مناقشة جادة. وهنا نسيت الحكومة أنها -على خلاف الإخوان-
ماعندهاش كارت بلانش من جمهورها، وأنها لا تملك جمهور سمع وطاعة.
الحديث عن «الأفضلية الأخلاقى» لا يفيد إن أودى إلى هزيمة على الأرض، هزيمة للمقاصد والأهداف.
ثالثًا: من بين أوراق الضغط التى يستخدمها المحاورون فى الأزمات السياسية البعد الدولى،
وهذا يستلزم إدخال أطراف أخرى، وهنا لا بد من شرط مهم جدًّا، حسن اختيار الأطراف
التى «تتوسط» فى هذا الحوار، لأنك باستدعاء أطراف أخرى للحوار فأنت تستدعين مصالح شعوب
أو جماعات أخرى، غير الشعب المعنى بالأزمة. لكن السياسيين يضطرون أحيانًا للقبول بهذا،
بسبب الوزن السياسى للوسيط. فى الحالة المصرية أحرزت الحكومة مكاسب،
وتكبدت خسائر، بسبب هذه الوساطات.
يبدو من النقاط السابقة وكأنى أحكم على سياسة الحوار بأنها أُديرت بطريقة فاشلة من قبل السلطة القائمة.
ليس هذا قصدى، إنما أحكم عليها بأنها بدت كذلك، وأنها تحتاج إلى مجهود لكى تغيّر هذه الصورة.
الحوار يستلزم أن يتصرف كل طرف بمبدأ حاورى جيدًا كأن الحوار هو الحل الوحيد،
وتصرّفى ميدانيًّا وكأن الحوار غير قائم. منبع هذا أن الحوار فى الأخير لن يسفر إلا عن
صيغة تعكس الأوزان الميدانية، لكن بدا من تصريحات بعض مسؤولى الحكومة
أنهم يضخمون من قيمة الحوار على حساب ما سواه، فلا يتحدّثون إلى الشعب عن «النجاحات الميدانية».
بينما كان الإخوان يتحدّثون عن هذه النجاحات، لدرجة أنهم لا يبالون بالحوار ولا يعولون عليه.
مرة أخرى، ربما لا يكون هذا صحيحًا، لكن الأهم هو كيف أوصلت رسالتك.
ولا سيما إن كان الحوار ومائدة التفاوض ليست مجال تفوقك، ولا الموقع الذى تتوقعين منه أكبر مكاسبك.
الآن أعلنت الرئاسة أخيرًا ما كان الرأى العام يشعر به، أن الحوار لم يكن يسير فى طريق الحل.
وهنا، لكى تحافظ السلطة على الدعم والثقة الشعبيين، فلا بد أن تطلع الرأى العام على قدر من المعلومات
يعيد له ثقته بالقيادة السياسية، وأن يطمئنه بأن الأمور تحت السيطرة،
وأن الحوار الفاشل لم يأتِ على حساب قدرتها على السيطرة على الوضع، بل إنه جعلها فى موقع أفضل.
لم تصل إلى النهاية، ولكن صارت فى موقع أفضل. ينبغى أن تطلع أى قيادة جمهورها على رؤيتها للموقع
الذى تقف فيه الأمور الآن، على الخيارات، وعلى التوجه العام. إن فشلت فى ذلك فهى تهز صورتها
وتفتح المجال للتساؤل حول قدراتها. بمعنى: إن كنت اخترت خيارًا خاطئًا،
أو حتى إن كنت فشلت فى إدارة خيار صحيح، فما الذى يضمن لنا أنك لن تفشلى فى ما يأتى عقب ذلك من خيارات؟
المواجهة القادمة مواجهة صعبة على كل الأطراف. طويلة الأمد. تحتاج إلى خيال سياسى لا يترك حبة رمل
يمكن أن يستفيد منها إلا وفعل. والطرف الذى ينجح فى الحفاظ على دعم جمهوره له يمنح نفسه ميزة كبرى.
هذا خط الدفاع الصلد الذى يغذى النزعة الهجومية.