08.13.2013
أنيسه عصام حسونه
يزدحم الفضاء السياسى المصرى هذه الأيام بالكثير من المبادرات والمفاوضات والاتهامات وإعلانات النيات
وكلام كثير جدا لا تبدو له نهاية ولكننا على أرض الواقع لا نرى أى نوع من التقدم فى المفاوضات
ولا توافقا على المبادرات ولا عقابا على الاتهامات ولا نهاية إيجابية للكلام الكثير،
بل على العكس فإننا نراوح مكاننا دون تقدم خطوة واحدة إلى الأمام ليصبح فعلنا الوحيد هو
وقوف الشخصيات العامة والفاعلين السياسيين أمام الميكروفونات بشكل يومى لإخبارنا بما نعرفه بالفعل مسبقا
سواء من الرئاسة أو الحكومة أو المعارضة أو الموالاة أو من رابعة أو النهضة أو من سيناء المختطفة.
باختصار فإنه كما يقول المثل «ما نبات فيه هو ما نصبح فيه» وبالتالى فمصر تنزلق بانتظام وثبات
إلى حالة من الركود والجمود السياسى المتصف بالسلبية والتمترس خلف المواقف الاستقطابية
دون أية إشارات أو دلالات موحية نحو التقدم فى المسار السياسى نحو دولة الديمقراطية
القائمة على دستور حديث كما كنا نأمل جميعا.
والخطير فى ذلك هو أن ملايين المصريين الذين تحركوا بزخم شديد منذ 30 يونيو 2013 مطالبين بالتغيير
ومؤيدين لكل الإجراءات التى تؤدى إلى تحقيقه وآملين أنهم بتحركهم هذا قد أعادوا الثورة المصرية
إلى مسارها الصحيح لتحقيق أهدافها فى الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية لكل مواطن على أرض مصر،
أقول إن هؤلاء المصريين الذين كانوا من المتفائلين المتحمسين فى 30 يونيو و26 يوليو قد بدؤوا
يدخلون دون أدنى شك فى مرحلة مقلقة من الإحباط وفقدان الأمل فى تحقيق أحلامهم المشروعة فى الإنجاز
وعبور هذا النفق المظلم وهم يرون القائمين على أمور البلاد فى هذه المرحلة الحاسمة يقفون فى حالة «محلك سر»
منذ توليهم المسؤولية والتزامهم بخارطة الطريق المعلنة نحو كتابة الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية،
وبالتالى فإن الشعب المصرى لا يرى تحركا على الأرض سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو غيره
نحو تحسين الأمور ولا يعرف خطة زمنية واضحة للحكومة الانتقالية لتحقيق الأهداف التى تبغى تحقيقها
فى فترة إدارتها للشؤون المصرية وما أولوياتها المعلنة فى هذا الشأن
والتى يمكن أن نحاسبها عليها ونقيم أدائها وفقا لذلك.
والأدهى من ذلك أننا لا نشاهد تحركا مذكورا فى الشارع للأحزاب السياسية المدنية التى من المفترض
أن تخوض معركة الانتخابات البرلمانية فى القريب العاجل والتى بلا شك ستكون حامية الوطيس
بمشاركة ما يسمى بالأحزاب الإسلامية التى ستسعى دون هوادة لاستعادة ما فقدته من مساحات
على الساحة السياسية ولإثبات سيطرتها على اتخاذ القرار فى الجهاز التشريعى الجديد ناهيك بملحمة الانتخابات المحلية
التى ستلحق بها سريعا حيث سيدور الصراع فيها على عشرات الآلاف من المقاعد الانتخابية الموزعة
على الخريطة المصرية من أدناها إلى أقصاها وتمثل المطبخ الحقيقى لصنع السياسات فى مصر المحروسة
أو هذا ما نأمل أن يكون، وكل ذلك كوم والانتخابات الرئاسية كوم آخر، فبعد أن أسقط الشعب المصرى
رئيسين فى ما يربو بقليل على عامين يجب أن نجيب عن السؤال المحورى فى هذه اللحظة، ألا وهو:
من المرشح المحتمل لكرسى الرئاسة المصرية فى الانتخابات القادمة؟ وهل يمكننا التفاؤل
بأن ما يسمى بالقوى «المدنية» ستتوافق على مرشح واحد وتتفادى تفتيت الأصوات الذى عانينا منه المرة السابقة؟
أم ستعود ريما لعادتها القديمة وكأنك يا بو زيد ما غزيت؟
حقيقة الأمر وواقع الحال يقول إن هناك غمامة من الغموض الشديد تحيط بدائرة الفعل السياسى فى مصر بأسرها،
وكل ما نحظى به حتى الآن هو التصريحات المكررة والمتواترة، المثيرة للإحباط والملل والاستهجان،
عن نيات فض الاعتصامات «المسلحة» وإعادة الحياة لطبيعتها فى قاهرة المعز دون أن يحدث بالفعل
تحول من الكلام والتصريحات عن فض الاعتصامات التى أصبحت شغلنا الشاغل وغاية المنى من رب العباد
لدى متخذى القرار إلى فعل جاد لإنقاذ البلاد من الأزمات السياسية والاقتصادية التى تأخذ بخناق الشعب المصرى
وتنغص عليه حياته يوما بعد يوم دون أن تبدو انفراجة أمل فى الأفق القريب،
فمتى يا حضرات نستطيع أن نبشّر سعادة المواطنين أننا سننتقل من الحالة «محلك سر»
إلى الحالة الإيجابية «معتادا مارش»؟