08.17.2013
من جديد نؤكد
إحنا شعبين.. اتنين.. مقسومين
كل شعب يرى نفسه على الحق والآخر باطل ابن باطل
كل شعب يرى أن الشعب الآخر لا يستحق أن يكون موجوداً
كل شعب يرى نفسه مظلوماً وضحية والآخر ظالم وجانى وسفاح
كل شعب يدعو على الشعب الآخر بأن يبتليه الله بمصيبة أو يحرقه بجاز وسخ
كل شعب يرفض أصلاً تسمية الآخر بشعب.. يراه إما مجرد جماعة إرهابية حقيرة من الخرفان
تستوجب مصلحة الوطن أن تغور فى داهية هى وكل من يؤيدها وكل من يتعاطف معها وكل من يشتبه
فى كلامه بنبرة هدوء فى نقدهم، وإما شعب لاحس بيادة محب للفراعنة والظلم والفساد
وضد الثورة والإسلام، ويحرض على القتل!
قبل أيام كتبت مقالاً عنوانه «انسوا المصالحة».. وبالأمس كتبت مقالاً عنونته بـ«بل ننعاهم جميعاً»،
لألاقى شتائم وبذاءات من الشعبين، حيث يرفض كل شعب أن ننعى الشعب الآخر ولو كان فيه
-على سبيل المصادفة التاريخية وربما الخطأ- أبرياء، أما اليوم فأنا أعلنها بصراحة:
انسوا التعايش نفسه.. كل شعب يرى الآخر قاتله الآن أو من بعد حين
كل شعب يعد نفسه للثأر المقدس، والانتقام المشروع، والقتل بمبرر وطنى أو دينى..
كل شعب يرفض أصلاً أن يسمع غير ما يقتنع به، وأن يرى بكلتا عينيه، ويشجع كتاباً وإعلاميين
يزكون حربه المقدسة سواء فى قنوات أو صحف أو عبر صفحات ومواقع إلكترونية فقدت جميعها
أى فرصة للتغطية المهنية المحترمة القائمة على احترام عقول الناس، لأنها أدركت أن الناس الآن فى مرحلة استقطاب،
ولا تريد أن تسمع أو ترى سوى ما تقتنع به مهما كان بعيداً عن الحقيقة.
حدثت حالة غريبة من دخول الجنس فى السياسة عبر مصطلحات جديدة بدأت تفرض نفسها على حياتنا السياسية
وآرائنا وعنفنا اللفظى، الذى أصبح يتعامل مع الأمور فى مصر بمنطق تشجيع مباريات كرة القدم،
أصبح لفظ «مخنث سياسياً» يطلق على كل من يتحدث عن مبدأ من الشعبين، فأى مبادئ والدماء تراق يا «سفاحين»
يا «ولاد الكلب»؟! وأى مبادئ والبلد بتضيع يا «خونة» يا ولاد الست «اللى مش نضيفة»؟!
قابلنا المنطق فقتلناه، والتقينا بالعبث فاغتصبناه، ونصبنا أنفسنا حالة خاصة سيحار العالم فى فهمها
أو إدراك أبعادها، ولو كان سيجموند فرويد موجوداً لانتحر «مخوزقاً»
بإرادته الحرة وهو ينظر للشعبين فى بلاهة!
الناس الآن تحب أن نولع فى بعض، وتعتبر الرأى الذى يتفق معها بالكاد رأياً مائعاً، وصاحبه يمسك بالعصا من المنتصف،
ويجب أن يأخذ «شلوت» على قفا، ويُبال عليه فى ميدان عام.
أساتذة العلوم السياسية، وأساتذة الإعلام، والخبراء فى كل مجال، وحتى الأطباء والقضاة والمحامين والمهندسين والمثقفين،
كل منهم أصبح طرفاً فى المعادلة، أو الخناقة، وينتمى أفراده إلى هذا الشعب أو ذاك.
إذا تحدثت عن الإنسانية قالوا: إنسانية دى تبقى امك. وإذا تحدثت عن مصلحة الوطن قالوا:
ملعون أبوك على أبو مصلحة يراق فيها دم. هكذا.. بمنتهى البساطة! إذا تحدثت عن الثورة فكلا الشعبين
له وجهة نظر عن الثورة، وكل ثورة مختلفة عن الأخرى تماماً، حتى لو ادعى الشعبان نفس المبادئ.
وإذا كتبت عن الحل تموت المبادرات وتدفن لأن أحداً ليس على استعداد لأى مبادرة.
نحن فى مرحلة «مصر ما تساعناش سوا»!
نحن فى مرحلة يشعر فيها شعب ثالث بالقرف من الشعبين، ويكتئب أو يعتزل أو ينسحب، أو يكتفى بالمراقبة
وهو يبكى على وطنه راجياً هو الآخر ربه أن يحرق الشعبين ويستلم البلد على المحارة لكى «يوضبها» على مزاجه.
وفى كل الأحوال، فالمبادرة الوحيدة المقبولة الآن من الشعبين هيا «يلّا نولع فى بعض»!
ولكل من يسأل عن الحل، ويرى أن الأمور ستهدأ قريباً بعد أن يتخلص أحد الشعبين الأكثر عدداً ومالاً وقوة من الشعب الآخر
الأكثر غباء وكبراً ومتاجرة بالدين والدماء، فالعبد لله مؤمن بأن شيئاً لن يحدث قريباً.
ويحب أن يكتب قول الله تعالى: «لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللهِ كَاشِفَةٌ».