11.18.2013
كان السيسي يقابل الإخوان أيضاً، الذين لفت نظرهم تدين الرجل وحفظه للقرآن وحرصه على الصلاة
فاعتبره«محترماً»و«مخلصاًً» و«بتاع ربنا» كما كان للرجل قنوات اتصال مع خيرت الشاطر بالضرورة
الذي اعجب بشخصية «السيسي» وراهن على ولائه «للقيادة» أيا كانت بحكم تكوينه العسكري،
وبعد انتخابات لم تكشف كواليسها حتى يومنا هذا،أصبح «مرسي» رئيساً للجمهورية، ومكتب الإرشاد رئيسًالرئيس الجمهورية،
وتم ترشيح الثعلب لكي يترقى ، لكن من قال إن الثعلب حين يترقى يبقى ثعلباً؟
«هو واحد ممن قضوا طفولتهم يرون فى جمال عبدالناصر بطلاً / أسداً حدث له انكسار بعد النكسة، لكنه عاد من الانكسار
بطلاً بإرادة شعبية، ليصبح الحاكم بأمره.. لم يحارب فى أكتوبر 1973، لكنه واحد ممن أدركتهم نشوة النصر
لدى الثعلب فقرر أن يلتحق بالكلية الحربية».
(1)
فى كتب الاجتماع السياسى ومراجعه المختلفة هناك اسم توقفت عنده كثيراً هو اسم «فلفريدو باريتو»،
وهو عالم اجتماع ذو خلفية اقتصادية مبهرة، ويحلو للبعض أن يعكسوا الأمر فيعتبروه عالم اقتصاد ذا خلفية اجتماعية،
لكن بداية معرفتى بالرجل كانت من خلال كتاب تم تدريسه على طلاب دفعة قسم الإعلام بآداب حلوان عام 1997،
للدكتور جمال أبوشنب، وهو عن «الصفوات العسكرية فى دول العالم الثالث»، وفيه كلام عن «باريتو»
لم نكن نتصور أن نستخدمه فى شىء غير امتحانات التيرم، لكن ها هو «السيسى» يذكرنا به من جديد.
يرى «باريتو» أن الصفوات العسكرية الحاكمة تمثل صراعاً بين نوعين:
* صفوة الأسود.. وتم تشبيهها بالأسود لأنها تتسم بالقوة والبطش وقادرة على الاستيلاء على الحكم من خلال هذه القوة،
ووقتها تم اعتبار جمال عبدالناصر ممثلاً لهذه الصفوة. رجل عسكرى بصحبة جيش قام بانقلاب على الملكية الحاكمة،
تطور لأن سماه الإعلام «الحركة المباركة»، ثم استقر تعريفه الإعلامى على كلمة «ثورة يوليو 1952»،
وبعد أن استولى الجيش على الحكم بالقوة (ودون إراقة دماء) حدث أن طوّر «عبدالناصر» من إمكاناته،
فأطاح بمحمد نجيب بمنتهى القوة ودون إراقة دماء أيضاً ليصبح رئيساً للجمهورية، وعلى خلفية هذه القوة
استطاعت الأجهزة الأمنية أن تتغول فى البلاد وتصبح لها اليد الطولى فى الرقابة أحياناً وفى الاعتقالات والتنكيل بالمعارضين
فى أحيان أخرى، حتى حدثت النكسة، ووقتها كان لا بد من كبش فداء، وهكذا «انتحر» عبدالحكيم عامر،
وتمت إقالة ومحاكمة العديد من القيادات الأمنية، وبقى الأسد فى الحكم، حتى قضى الله أمراً كان مفعولاً ومات «عبدالناصر»،
لتأتى صفوة مختلفة تحكم مصر، وهى النوع الثانى الذى تكلم عنه «باريتو»، وسماه:
* صفوة الثعالب.. والثعلب بطبيعته ماكر، يقبع كثيراً فى الظل فى انتظار اللحظة المناسبة للانقضاض،
وقد يخطط كثيراً حتى يصل لهذه اللحظة التى يحكم فيها، أو تأتيه الظروف بالحكم نتيجة حتميات تاريخية
وصراعات بين الأسود وبعضها البعض، وهذا النوع يمثله ثعلب من طراز رفيع اسمه محمد أنور السادات،
واحد من الضباط الأحرار، واحد من المتهمين فى قضية مقتل أمين عثمان، ثم واحد ممن لم يشهدوا «وقت» حدوث الثورة،
حيث كان فى «السينما». وبغض النظر عن تفسير هذه الواقعة، وهل كان المقصود بها التمويه حتى يحمى نفسه
من المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى لو فشلت حركة الجيش، أو المقصود بها أن يمثل خط هجوم
ثانياً يجمع شتات الضباط الأحرار، كما فسر المحبون للرجل هذا التصرف، فإن الأكيد أن هذا التصرف هو تصرف الثعالب،
ولم يكن «السادات» محبوباً من بعض الأسود، لكنه ظل بعيداً عن صراعاتهم، يشرف أحياناً على جريدة الجمهورية
التى أنشأها النظام الجديد، وله تسجيلات نادرة فى الإذاعة المصرية وهو يلقى خطبة الجمعة! ثم يصعد رويداً رويداً
ببطء ولكن بثقة حتى يصل لرئيس البرلمان، ثم نائب الرئيس،
وحين يموت الأسد يصبح الثعلب رئيساً بعد فترة من الكمون مليئة بالدهاء.
طيب.. إذا طبقنا النموذجين على عبدالفتاح السيسى، ضابط الجيش الذى أصبح رئيساً للمخابرات الحربية،
فعضواً بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد الثورة، وصولاً لكونه وزيراً للدفاع، ثم أخيراً، أطاح، بأمر الشعب،
برئيس الجمهورية شخصياً قبل أن يتراجع خطوة للوراء، ولا يحسم جدلاً ودعوات متزايدة لنزوله الانتخابات الرئاسية المقبلة،
فهل ينتمى «السيسى» لصفوة الأسود أم صفوة الثعالب، أم أن الرجل نموذج مختلف؟
الإجابة عن هذا السؤال تستدعى مزيداً من الشرح وهو كما يلى..
(2)
اسمه عبدالفتاح سعيد حسين خليل السيسى. هو من مواليد 1954، وبالتالى هو واحد ممن قضوا طفولتهم
يرون فى جمال عبدالناصر بطلاً/ أسداً حدث له انكسار بعد النكسة، لكنه عاد من الانكسار بطلاً بإرادة شعبية،
ليصبح الحاكم بأمره. بعد أن أعاد الشعب «الأسد» الذى تنحى، صار من المستحيل
أن يطيح به شىء إلا الموت، وقد كان.
حين تولى «السادات»/ الثعلب حكم مصر، كان عبدالفتاح السيسى يشاهده مثل آخرين. لم يحارب «السيسى»
فى أكتوبر 1973، لكنه واحد ممن أدركتهم نشوة النصر لدى الثعلب،
وهكذا قرر أن يلتحق بالكلية الحربية بعد انتصار الثعلب.
قرر «السيسى» أن يكون متميزاً فابتعد عن السياسة تماماً، وركز فى دراساته العسكرية محاولاً أن يثبت تميزه
فى نظام عسكرى صارم لا يعترف سوى بالأقدمية، لكنه فى الوقت نفسه يتيح مجالاً لهؤلاء «المتميزين»
الذين يعترف بهم الجميع، ليستفيد منهم، ولهذا ركز «السيسى» فى دراساته العسكرية فقط، ولم يعرف عنه رغبته،
ولا شغفه، فى الحديث عن السياسة وتحولاتها، بل رضى أن يكون ضابطاً مطيعاً إلى جانب تميزه،
وهكذا حصل على ماجستير من كلية القادة والأركان عام 1987، وماجستير من كلية القادة والأركان البريطانية
عام 1992 بنفس التخصص، وحصل على زمالة كلية الحرب العليا من أكاديمية ناصر العسكرية عام 2003،
ثم كانت النقلة المختلفة حين درس فى الولايات المتحدة الأمريكية، ليحصل على زمالة
من كلية الحرب العليا الأمريكية عام 2006.
هناك رافد مختلف من الثقافة العسكرية دخل لعبدالفتاح السيسى بدراسته فى أمريكا، رافد له علاقة بثقافة تتحدث كثيراً
عن الديمقراطية، وعن أساليب تطبيقها التى يمكن (حسب العقلية الأمريكية) فرضها على نماذج بعينها،
إما من خلال تدخلات أو ضغوط أو -أحياناً- حروب تحت مسميات مختلفة كان آخرها الحرب على الإرهاب!
كان السيسى «ترساً» فى آلة كبيرة فى هذه الأثناء، وكان خريف نظام «مبارك» قد بدأ، مع حديث مستمر عن التوريث،
وعن موقف الجيش منه، وبعد أن صار «مقرباً» من القيادة العسكرية بتميزه وطاعته للأوامر
لدرجة أن المشير طنطاوى كان يقول عنه إنه مثل ابنه.. تدرج «السيسى» فى المناصب،
وتولى قيادة المنطقة الشمالية العسكرية، ثم استقر به الأمر فى النهاية إلى واحد من أخطر مناصب القوات المسلحة،
حيث تولى إدارة المخابرات الحربية، ثم قامت الثورة، وكل ذلك يعتبر تمهيداً لكى نجيب عن السؤال الذى نكرره الآن:
كيف فكر «السيسى» بعد الثورة؟ ولعل الإجابة آتية، أو هكذا أتصور..
(3)
كانت الثورة بمثابة «نجدة» للجيش المصرى. فى اللحظات الأولى لم يكن أحد يتخيل أن تنجح وأن يبقى الزخم الثورى
بهذه الطريقة، لكن أحداً لم يتصور فى الوقت ذاته الاستقبال الأسطورى للجيش وقت نزوله للشارع،
والمنطقى أن عبدالفتاح السيسى، مدير المخابرات الحربية، ربما يكون قد أجرى تقديراً سريعاً للموقف
رفعه إلى القيادة العامة مفاده أن الجيش محبوب عند الناس، فى لحظة يهتز فيها نظام «مبارك» بقوة، ويمكن إسقاطه،
مع بقاء الجيش فى صورة «المنقذ» أو «المخلص»، وهو ما كان.
تمت إزاحة «مبارك» بعد ثورة من الشعب المصرى/ غباء فى إدارة الأزمة من «مبارك» ورجاله/
«ضغط» من المجلس العسكرى الذى كانت هذه هى فرصته الوحيدة والكبيرة للإطاحة بمشروع التوريث/
تراجع فى الموقف الأمريكى من «مبارك»، ليتولى المجلس العسكرى إدارة شئون البلاد، وكان «السيسى»
هو «أصغر» أعضاء المجلس العسكرى سناً، وكان لافتاً للأنظار بشدة وهو يتحدث مع نشطاء سياسيين ورجال إعلام
وأدباء ومثقفين، فى اجتماعات خاصة، أُعلن عن بعضها ولم يعلن عن الآخر.
ولأنه صاحب عقلية مختلفة عن عقلية «عواجيز» المجلس آنذاك، فقد اعترف بقصة فحوص العذرية لوسائل إعلام دولية،
وواجه الأمر بمبرر أن ما يحدث من فحوص لحماية النساء من التعرض لمخاطر التحرش والاغتصاب،
وحماية الجنود والضباط من اتهامهم بممارسات جنسية مع المقبوضات عليهن، وكان «السيسى» سيكمل مواجهة الأمر
ربما بالإعلان عن تحقيقات داخلية ستجرى لمعاقبة بعض المتجاوزين فى أساليبهم، لكن كان هناك غضب من جناح آخر
داخل المجلس العسكرى لهذه التصريحات، وغالباً تم توجيه «أوامر» لـ«السيسى» بعدم الإدلاء بتصريحات إعلامية،
وإن ظل يقوم بدوره فى لقاء القوى السياسية المختلفة وكان منهم «الإخوان المسلمون»، وربما فى هذه الملابسات
بدأت شخصية «الثعلب» تتشكل عند «السيسى»، فقرر أن يكمل عمله لكن فى الخفاء وفق ما اكتشفه بعد ذلك
من «حرق» العديد من لواءات المجلس إعلامياً، وصراعات «الأسود» داخل المجلس وقتها للإطاحة
ببعض المشتاقين لدور أوسع، واستبعادهم أو تحجيمهم عن رغبتهم فى الترشح للرئاسة (طارق المهدى مثلاً تم استبعاده
إرضاءً لإسماعيل عتمان، وسامى عنان رضخ لتعليمات المشير بعدم إثارة رغبته فى الترشح).
كان «السيسى» يقابل الإخوان أيضاً، الذين لفت نظرهم تدين الرجل وحفظه للقرآن وحرصه على الصلاة،
فاعتبروه «محترماً» و«مخلصاً» و«بتاع ربنا»، كما كان للرجل قنوات اتصال مع خيرت الشاطر بالضرورة،
الذى أعجب بشخصية «السيسى» وراهن على ولائه «للقيادة» أياً كانت بحكم تكوينه العسكرى،
وبعد انتخابات لم تكشف كواليسها حتى يومنا هذا، أصبح «مرسى» رئيساً للجمهورية، ومكتب الإرشاد
رئيساً لرئيس الجمهورية، وتم ترشيح الثعلب لكى يترقى، لكن من قال إن الثعلب حين يترقى يبقى ثعلباً؟