التطور: 4 ـ الحقائق المرة
أيام الثورة الصناعية، الإنجليز اعتبروا إنهم بيغيروا التاريخ. الطب بيتقدم، والآلة بتزيد الإنتاج. الرخاء جاى.
لكن أستاذ إحصاء وسكان طلع سنة ١٧٩٨ بأطروحة عنوانها «مبدأ النمو السكانى»، وقال لهم: فوقوا!
إنتو إيه! فوقوا! العالم دا اسمه روبرت مالتوس. ورأيه إن الزيادة فى السكان زيادة مطردة «متواصلة ومتزايدة»
لكن زيادة الإنتاج اللى بيتكلموا عليها دى زيادة محدودة بسقف موارد الأرض.
الكلام دا معناه هيبقى فيه صراع على الماء والغذاء.
صراع؟! تشارلز دارون قال لنفسه الكلمة وهو بيقرا الطبعة السادسة من الأطروحة، اللى صدرت عام ١٨٢٦.
طيب مين اللى هيبقى ومين اللى هيفنى؟ ما الصراع دا بيتكرر طول الوقت فى الحياة الطبيعية،
ليه مايكونش هو نفسه الدافع للتطور؟!
اتكلمت سابقا عن «مبادئ علم الجيولوجيا» بتاع تشارلز ليل، وإزاى وضح فيه إن طبقات الأرض من قديم الأزل
عمالة تتراكم بنفس الطريقة اللى بتتراكم بيها حاليا. وتشارلز دراون قال لنفسه،
طب ليه مايكونش الكائن الحى نفسه بيتغير «مورفولوجيا» (الشكل الظاهر والباطن) من قديم الأزل بنفس الطريقة،
بحيث يناسب التغيرات الأرضية دى.
باختصار، دارون ركز على فكرتين فى منتهى البساطة، وبنى عليهما تفسيره للتطور:
١- مافيش كائنين على وجه الأرض متماثلين. مافيش فراشة مطابقة لفراشة، ومافيش غزالة مطابقة لغزالة.. إلخ.
«طب ما احنا عارفين». الملاحظة البسيطة دى هى الأصل فى المبدأ التانى.
٢- الانتخاب الطبيعى «البقاء للأنسب»: فى الظروف الصعبة، فى صراع مع عوامل معينة، فيه أفراد هتقدر تتحمل الظروف
لأن عندها خاصية «مناسبة» ليها، وفيه أفراد مش هتقدر. اللى هيقدر هو اللى هيبقى ويتكاثر.
ومعنى كده إن صفاته هتفضل، وتتنقل للجيل اللى بعده. بينما اللى مش هيقدر هتختفى صفاته،
تدريجيا أو فجأة، على حسب الظرف.
عايز أضرب لك مثل «مش علمى» يوضح النقطتين اللى فاتوا. معظم البنى آدمين البالغين بين طول ١٥٠ و١٨٠ للرجالة،
مثلا. لكن عندنا عدد معين فوق المترين، مش كده، وعندنا عدد معين تحت ١٢٠. اتخيلى مثلا إننا عايشين
فى عصر قديم وحصل طوفان فى منطقة سهول ومعزولة عن العالم، ارتفاع المياه وصل مترين.
العدد اللى هيبقى من الناس هم بس اللى فوق المترين. ودول لما يتكاثروا هيبقى نسل الإنسان المعتاد
هناك بعد كام جيل فوق المترين -غالبا.
طيب اتخيلى إن مجموعة إنسانية تانية كانت عايشة فى غابة مثلا. وبسبب تغير المناخ هاجرت طيور كاسرة
على أماكن معيشة الإنسان. وكانت بتهاجم الإنسان وتقتله. الوحيدين اللى كانوا بيقدروا يستخبوا هم القصيرين
اللى تحت ١٢٠ سم من البالغين. دا معناه إن النسل التالى، بعد كام جيل، هيكون إنسان قصير.
دا مثل غير علمى «مليان ثغرات» علشان أشرح موضوع الصدفة، وأشرح معنى كلمة أنسب، فى «البقاء للأنسب».
أنسب مش معناها أقوى، ولا أكبر، ولا عنده عضلات أكتر. معناها ملائم أكتر،
علشان كده الصرصار فضل وكائنات كبيرة جدا اختفت.
التغيرات ممكن تكون تدريجية بطييييييئة.. مش زى ما إنت بتشوفى الفرق بين الأسد والنمر دلوقت فبتقولى،
يييه، دول مش شبه بعض. اتخيلى. مللى فى طول الفك، فى عرض السنان، فى بروز الحاجب، فى كثافة الشعر،
بتتراكم على مدى ملايين السنين. دارون شاف كائنات فى بلاد بعيدة هى هى اللى عايشة فى أوروبا مع فروق بسيطة جدا،
ودا بفرق «عمر فى الغربة» لا يُذكر، فما بالك لو استمرت ملايين السنين معدلات التغير دى؟!
ممكن بعد ٨ ملايين سنة تنتج كائنين شكلهم كأنهم مختلفين تماما. كمان لاحظ التغيرات اللى بتحصل فى الإنسان
فى مختلف البيئات. أستراليا غير إفريقيا، غير الصين، غير أوروبا، فى لون البشرة، فى شكل الفك، فى الطول،
فى نوع الشعر. اتخيلى لو التجمعات البشرية دى فضلت منعزلة عن بعض ملايين السنين. «السؤال دا بس لتشغيل خيالك».
البيئة بتختار الصفات المناسبة ليها، فى عملية مستمرة.
خللى بالك. الجزء دا من التطور بالبقاء والانقراض والتكيف مافيش عليه أى اختلاف بين «العلماء».
أمال هنيجى إمتى لموضوع الإنسان وأصله؟ ماتقلقيش. جايين، واحدة واحدة. دا كان كتاب تانى لدارون اسمه «تسلسل الإنسان»
«The Descent of Man» صدر سنة ١٨٧١.