محمود الكردوسى
نعم.. خائن، وهل هناك معنى لـ«الخيانة» أفدح من أن يستقيل البرادعى فى لحظة حرجة كالتى تعيشها مصر؟
لم يعد هناك مبرر للبحث فى دوافعه وقناعاته السياسية، ولم يعد يستحق الاحترام
ولا حتى أن نسبقه بلقب «الدكتور». كفانا أدباً وطبطبة. كفانا غفلة وسوء تقدير
لمثل هذه الوجوه السياسية الخادعة، المراوغة، المغرضة.كفانا خوفاً من «الخارج» ونحنحة على «الداخل»،
فمصائب هذا البلد كانت وستظل دائماً على قدر مكانته، وعمقه الإنسانى والحضارى.
كفانا ترديداً لنغمة «شعب طيب.. متسامح»، فباسم هذه الطيبة وهذا التسامح تحول الشعب المصرى إلى «ملطشة»،
حتى أن «نجعاً» فى صحراء الخليج يسمى «قطر» أصبح له كلمة فى شأن مصر.
نعم خائن.. وهل هناك توصيف آخر؟. لم تصدمنى عملته السوداء، الحقيرة، فأنا لست من محبيه أو دراويشه،
ومنذ اقتحم الحياة السياسية وأطل على المصريين بوجهه «الراسبوتينى» القبيح وخطابه المتلعثم المضطرب
ورخاوة مواقفه السياسية وجبنه المخزى وسلوكه الهروبى المريب..
وأنا أقول إن هذا الرجل لا يصلح لأى عمل سياسى، ولا يمكن أن يرقى إلى مستوى الحالة السياسية المصرية
بكل ما فيها من تعقيد وما تحتاج إليه من حلول ورهانات، ويؤسفنى أن أقول إن «مبارك»
لم يكن مخطئاً فى نظرته إلى هذا الرجل، وكان محقاً فى «استتفاهه» وعدم الاكتراث حتى لوجوده.
لم أتوقع يوماً أن يكون البرادعى «مصرياً» مثلى ومثلك ومثل كل الشرفاء الذين شالوا مصر على رؤوسهم
حتى وهم جياع، مظلومون، مقموعون، وتحملوا هوانها على حكامها إلى أن نفخ الله فيهم واستردوها
ثلاث مرات فى ثلاثة أعوام، لم أتوقع منه أن يكون «وطنياً» بالمعنى الذى نعرفه ونفهمه وتربينا عليه،
فكيف لرجل قضى نصف عمره تقريباً فى أوروبا وأمريكا أن يشعر بقيمة «الوطن» من هذه المسافة البعيدة؟
أقولها صريحة بلا مواربة: جزمة أى جندى أو ضابط جيش أو شرطة من الذين استشهدوا على أيدى «إخوان»
هذا البرادعى وحلفائهم الإرهابيين فى سيناء وغيرها من ربوع مصر.. أشرف مائة مرة منه ومن ليبراليته العمياء
التى لا تفرق بين الجانى والضحية، ومن جائزة «نوبل» التى بدا واضحاً أنها لم تكن سوى «رشوة».
نعم خائن، لكنها «خيانة» فى وقتها، لا ينبغى أن نخاف على مصر وثورة المصريين فى 30 يونيو
من خروج هذا «الفسل» من المشهد الميلودرامى الراهن، فقد كان غريباً على هذا المشهد، وعبئاً عليه،
ولا يستحق أصلاً أن يكون جزءاً منه، كما أن ثورات المصريين لا يفسدها إلا هذا النوع من «المسجلين سياسياً»،
ولا يضمنها ويصونها ويجتهد فى تحقيق أهدافها سوى جيش مصر وشرطته. لقد انتحر البرادعى
ليلحق بـ«إخوانه» الإرهابيين، وبانتهاء هذه الأكذوبة النخبوية.. ينتهى جيل من عواجيز السياسة وصبيتهم
من دعاة السلمية والمصالحة والمسار الديمقراطى، لكننى أخشى أن تطرح خيانة البرادعى ثماراً أخرى
فى أرض أخرى يعرف طقسها واحتياجاتها وعوائدها، أخشى أن يغادر البرادعى مصر -كعادته-
ولا يعود إلا بطلاً على أنقاضها، أخشى أن يتحول هذا الخائن إلى زعيم للمعارضة فى الخارج.. برعاية أوروبية -
أمريكية، وبتمويل من تنظيم الإخوان الدولى، تماماً كما حدث فى الحالة العراقية، ويحدث الآن فى الحالة السورية.
نعم خائن، ولا ينبغى أن نصدق أنه استقال بسبب طريقة فض اعتصامى «رابعة» و«النهضة»،
ولا لأنه متعاطف مع الإخوان أو باحث عن خروج آمن لكوادرهم الإرهابية، بل لأنه «رجل الغرب»
الذى يتم تجهيزه لمرحلة ما بعد سقوط الدولة المصرية، لذا أتمنى وأدعو إلى منعه من السفر وتحديد إقامته
لحين انتهاء مصر من حربها ضد الإرهاب.. ساعتها سيكون البرادعى قد ذبل وتعفن،
ولن يبقى منه سوى تغريدة بائسة.. حزينة.