عصفور .. نعم .. بحجم كف اليد .. لكنه لم يَحْتَجْ إلى سَتْر عَورته كالبشر ..
لأنها لا تتدلّى منه .. ولا يَمُدّها إلى الشَّر أو الحَرَام، أو لها يعيش .. عصفور ..
بيتُهُ .. كومَة قشٍّ على عامود نور صَدِء .. قد يذهب مع دلو ماء ٍقذر ترميه إحداهن من شرفتها ..
أو يشعله " عقب سيجارة " يرميه أحدهم من شباكه ! أو يرمى به عامل الصيانة
عند توصيله لأحد الكابلات .. كان له نصيب من كل ذلك فى السابق .. وكنت أراقبه ورفيقته ..
كلما هُدم لهما عشا ً، دارا فى دوائر .. وصنعا غيره من جديد .. بلا كلل أو ملل ..
فقط .. يغدوا كلا منهما ويروح وفى منقاره عود صغير من القش .. يتحدى به كل المصاعب ..
معلنا به أنه سيظل .. يأبى إلا أن يعيش .. ويملؤ صدَره بعبق الحياة .. ويملؤ صَمتَها تغريدُه .
عصفور .. يؤكد الفيزيائيون " الغلابة " أنه لا تصعقه الكهرباء التى يقف على أسلاكها،
لأنه لا يلمس الأرض ! ولا تكتمل الدائرة الكهربائية إلا إذا لمس الأرض ..
لم يفهموا الواقع أبدا ً .. لم يفهموا أن ذلك المخلوق الذى يقف على أى شيء دون
أن يتأذى أو يموت .. إنما هو كذلك، لا بسبب جسمه الصغير الذى لا يلمس الأرض ..
وإنما بسبب روحه .. روحه التى هى ليست أرضية ..
ولا تمت لأهل الأرض .. وشهواتهم .. وشرورهم .. بأى صلة !
عصفور .. هو أكثر الكائنات سفادا ً .. وغزلا ً لرفيقته .. وأقصرها عمرا ً..
لكنه يعيش عمرَه كله، بسعادة .. يغنى وقتما شاء .. وأينما شاء .. لا يحتاج إلى ورقه
تثبت أنه حى، أو أخرى تثبت بها رفيقته أنه ميت !، لا يحتاج إلى ورقة ليعمل، أو يسافر،
أو ليظهر بمظهر الحكيم العارف، لا يحتاج إلى فتاوى، ولا إلى شيوخ يحرمون ما أحل الله،
ويحددون له السماء والأرض، أين يذهب، وكم متر يطير .. ولا يستقى معرفته بالوجود
من شاشات ولا مربعات تصور له كل شيء على غير حقيقته، وتؤكد له أن السماء
اليوم مغلقه، وأن الطريق مسدود، وأن الفضاء يضيق، والخطر يداهمه ورفيقته ..
لا يحتاج إلى الخوف .. ليسكن، أو إلى الإندفاع والتهور ليسعى .. لا ينتمى إلى حزب،
أو جماعه، أو فصيل، أو مجموعة من الطيور تحسب نفسها من ذات الريش الملون،
والمميز عن البقية ! فيحق لها وحدها أن تحلق وأن تقود السِّرب
وأن تجنى الرزق وتقسمه على هواها .. وأن تختار أولا .. أجمل الرفيقات !
عصفور .. فقط .. يعيش .. ويموت .. بسعادة ..
محمد إسماعيل سلامة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]