06.25.2013
عمر طاهر
أسير إلى جوار سور الأوبرا فى الطريق إلى ميدان الدقى بينما زفة ميكروباصات تغلق الشارع
مكتوب عليها كلها خط السير (منشية ناصر - مدينة السلام)،
ميكروباص واحد منها لم يكن يجرؤ على الخروج عن خط سيره قبل عامين وإلا انقطع عيشه. ا
لآن فى فضاء العاصمة التى أبهرت العالم متسع لكل أنواع المخالفات المرورية والبيئية والآداب العامة
وقطع الطريق واحتلال الشوارع وتدخين المخدرات، يحملون إلينا رسالة واضحة لنا أن الدكتور مرسى
ونظامه جزء من المشكلة، أما الأكبر فهو يقع فى الفرق الشاسع بين الأفكار النبيلة
التى رُويت بالدماء فى الثورة وبين طبيعة أكثرية الشعب.
لا تدفنوا رؤوسكم فى الرمال وتلقوا باللوم كله على النظام وحده، النظام يحتاج إلى التغيير،
لأنه يسهم كل يوم فى جعل المأساة أكثر فداحة، لكن خام المأساة أصيل،
ويحتاج إلى علاج خالٍ من الشعارات، لا تقول لى إن الشعب يهيم فى الفوضى لأنه عاش كثيرا
فى ظل سجن النظام السابق، ما أعرفه أن الواحد يخرج من السجن عارفًا بقيمة الحرية باحثًا عن حياة جديدة
رائقة يعوض بها ما فاته، ما حدث عندنا أن الأكثرية خرجت من السجن لتنتقم.
لا تقل لى إن هذا الكلام يهين الأكثرية، لأن الحقيقة أن الأكثرية هى التى تهين نفسها كل يوم،
وتهين معها مَن حلم من أجلها بحياة أفضل صفصفت فى النهاية على فوضى وقتل وعنف طائفى،
ولا تحدِّثنى أرجوك عن الحرية بشكلها المطلق، لأن مَن يسفسطون بالحرية فى كل مكان
على «تويتر» و«فيسبوك» يزيحون من قائمة الأصدقاء والمتابعين فى ثانية كل من يعبر بحرية
عن رأى مخالف، كلّمنى عن الأرض التى تمهدها من أجل أن تصبح الحرية عقيدة، قل فيم اجتهدت
حتى تضع الحد الفاصل بين الحرية والفوضى، وبين الديمقراطية وتقسيم الشعب نفسيًّا قبل سياسيا
باسم الديمقراطية، بين العدالة الاجتماعية وقطع الطرق على الآخرين للمطالبة بحقك العادل.
عندما قال عمر سليمان إن الشعب غير مؤهَّل للديمقراطية كان صادقًا لكنه فى الوقت نفسه
كتب بخط يده قرار اتهام النظام السابق كله الذى قتل الفكرة داخل المصريين،
وجميع من أتوا بعده كانوا نسخة منه لكن زِدْ على ذلك أنهم منافقون، يقولون إن الشعب واعٍ وذكى
ومؤهَّل للديمقراطية إذا ما تمكنوا وإذا ما استشعروا هزة يقولون إن مجرد خمسة ستة برامج تليفزيونية
تضلل الشعب، جننتوا الشعب، الشعب نفسه مابقاش فاهم إذا كان واعيا أم أن لميس الحديدى تقوده إلى الهاوية.
لم يتعامل أحد بواقعية مع الفكرة، فكرة وجود نظام للحياة محاط بأسلاك شائكة حتى لا يخترقه أحد،
فكرة لا تهين أى شخص على الإطلاق، بل وتحفظ له كرامته، وتساعده على التفكير وتقرير المصير،
لكن الفوضى تجعل الآن كل تفكير فى الديمقراطية والشرعية والصناديق ينتهى دائما بكلام من الطرفين
عن «هنخلّص عليهم، هنرشّه بالدم، هنرجّعهم السجون»، الحديث فى مصير البلد الآن
يغلب عليه روح الباعة الجائلين الذين احتلوا شارع طلعت حرب بالقوة رغم أنف الشرطة
وأهل المنطقة وسكان المحلات، والنظام الحالى يدير مصر أيضا بالطريقة نفسها،
بطريقة الأمر الواقع الذى يحميه البلطجية فى طلعت حرب وبالنسبة إلى النظام
فهناك الإرهابيون الذين على استعداد للحرب.
عند إزاحة نظام هو فى حد ذاته ضحية لفكرة الحرية المفاجئة، لا بد من الاعتراف بأن كل شىء له أصول،
يقول سيدنا علِى بن أبى طالب (رضى الله عنه): خاطِبوا الناس على قدر عقولهم،
إن ما يصلح للعالم قد لا يصلح للجاهل. الحرية بكل ما فيها من نبل لم تتم مخاطبة الأكثرية
عنها بلغة على قدر عقولهم، فكان أن ترجموها خطأ.