السياسة فى الإسلام تحتمل وجهات النظر المختلفة من العصا والجزرة، والأخذ والرد، والكر والفر،
وغير ذلك مما يحسمه أهل الخبرة والتجربة وليس أهل العلم بالنصوص الشرعية
التى تحتمل كل هذه المعانى فى مناسبات مختلفة.
أما أمن المجتمع وسلامة أرواح الناس وصون أعراضهم وحماية أموالهم وتمكينهم
من إقامة دينهم فكل ذلك من القواطع أحادية النظر؛ لتعلقها بالمقاصد الإنسانية الكلية،
ولذلك حسمتها النصوص الشرعية التى يحفظها علماء الدين، وهم مأمورون بإبلاغها للناس
بكل فنون الدعوة لاستمالة قلوبهم إلى الطهارة والأمانة وصدق المعاملة
وحسن الجوار وصلة الأرحام والرفق بالضعفاء.
لقد نسى الناس نصوص الشريعة التى تحول دون توحش المجتمع، ومن ذلك»:
1- أمن الأعراض فى قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا
لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ» (النور: 19)، وأخرج ابن حبان عن ابن مسعود
أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم: أى الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله نداً وهو خلقك».
قلت: ثم أى؟ قال: «أن تقتل ولدك مخافة أن يأكل معك».
قلت: ثم أى؟ قال: «أن تزنى بحليلة جارك».
2- أمن النفوس والدماء فى قوله تعالى: «وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ
وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا» (الإسراء: 33)،
وأخرج البخارى عن عبدالله بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
«من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً»،
وأخرج أبوداود بإسناد صحيح عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم دنيةً، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه
أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة».
3- أمن الأموال فى قوله تعالى: «لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ» (النساء: 29)،
وأخرج الشيخان عن أبى بكرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
«إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام».
4- أمن الدين والمذهب فى قوله تعالى: «وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ
وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» (الكهف: 29)، وقوله تعالى: «لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» (البقرة: 256).
ولا يجوز لأحد أن يفتئت على الله بمحاسبة إنسان فى الدنيا على دينه أو عقيدته التى فى قلبه
أو التى يعلن شعائرها، ما لم يكن هذا الإعلان عدواناً على الآخرين أو إيذاءً لهم؛
لقوله تعالى: «وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» (البقرة: 190).
ومن هنا يظهر فحش ما ارتكبه بعض المغرورين عندما اغتالوا الشيخ حسن شحاتة
وبعض أصحابه يوم الأحد الماضى 23 يونيو 2013م غدراً بدعوى تشيعهم،
وهو ما يعد رفضاً لحكم الله الذى جعل الدنيا دار عمل وفتح فيها باب التوبة حتى من الشرك
والعياذ بالله، ونسوا قول الله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى
وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (الحج: 17).
إن بعض رجال العلم بالدين ممن اشتغلوا بالأدوار السياسية على مدار السنتين الماضيتين
لا يسلمون من دم هؤلاء المغدورين عندما هيّجوا العوام على المذهب الشيعى
وأحيوا عصبية التمذهب بوصفهم بالرافضة والأنجاس. ولا سبيل أمامهم إلا تصحيح ما أفسدوه
بتهدئة الأجواء بالحكمة والموعظة الحسنة حتى يعيش الناس فى أمان،
وإلا فعليهم صفة الموقظ للفتنة. كنت أظن بأن توحش المجتمع بسبب انشغال علماء الدين بالسياسة
فإذا نحن أمام مصيبة أعظم وهى مشاركة بعضهم فيه.