07.11.2013
قيادات التيارات السياسية الإسلامية يحركها مشروعها فى الحكم وإدارة شئون الناس
على الوجه الذى خطوه بأيديهم ووضعوه بأفكارهم البشرية، ثم قاموا بتسويقه عالمياً
بمراهنات مع بعض القوى العالمية التى سيكشفها التاريخ. والذى يعنينى هنا هو تسويق ه
ذا المشروع محلياً باسم الإسلام الجاذب للأبرياء من المسلمين بعد إيهامهم بأن حرباً ضروساً
تُكاد بهذا الدين وعداوة بغيضة تُحيط بأنصاره. وكانت النتيجة انقسام المصريين
إلى فريقين أحدهما يمثل التيارات السياسية الإسلامية،
والثانى يمثل عموم المصريين مسلمين وأقباطاً. والعجيب أن أصحاب الفريق الأول
كانوا من عموم المصريين، إلا أنهم انشقوا بمشروعهم السياسى الذى وصفوه بالإسلامى،
واستطاعوا بالديمقراطية أن يصلوا إلى سدة الحكم بعد أن أطلقوا عليه مشروع النهضة.
واستمر حكمهم سنة كاملة، لم يمض منها ثلاثة أشهر إلا وبدأ عموم المصريين يزأرون
من سياسة إقصاء ذوى الخبرة وتمكين ذوى الثقة للسلطان (الرئيس دكتور مرسى)
وانفصال خطابه المعلن عن أرض الواقع، وفرعنته بإعلان دستورى يمنحه بعض صفات الألوهية،
وإشغال المصريين عن حالهم بأحوال دول أخرى، وتصادمه مع مؤسسات الجيش والشرطة
والقضاء والثقافة والإعلام والأزهر والكنيسة، وإعلاء الخطاب الدينى من غير المتخصصين
والاستقواء بهم فى التصفية المعنوية للمعارضين وتسويق مشاريعه السياسية باسم الدين.
وكاد عموم المصريين يصاب باليأس والإحباط، خاصة أن نظامه السياسى الموصوف بالإسلامى
قد أصم أذنه عن مطالبه وظن أن ملكه لن يبيد أبداً. وشاء الله (عز وجل) أن يعجل عليه إقامة
سنته التى كتبها على كل ظالم لاختبائه فى عباءة الدين،
كما قال سبحانه: «وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ *
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ» (القصص: 5، 6).
فكان خروج أكثر من ثلاثين مليوناً من عموم المصريين
يوم الأحد 30 يونيو 2013م لإنفاذ مراد الله.
وكان من حسن الإيمان بالقدر أن يعلن الرئيس قبوله بقرار شعبه، ولكنه اختار نفسه
على كل ما أعلاه من قيم.وقد لا ألومه ومعاونيه؛ لأن موازنتهم فى التمسك بالكرسى
تقوم على الرهان بين البقاء رئيساً وبين الموت قتالاً أو قضاءً. ولكنى ألوم على الأبرياء
والبسطاء والطيبين من محبى هذا النظام والمغرورين فى عباءته الدينية ولم يقفوا بعد
على حقيقته التى قذفت بهم وقوداً للنار، فاندفعوا وراءه ضد عامة الشعب باسم الشرعية،
ولهؤلاء أقول:
(1) إن الشرعية التى تولى بها الدكتور مرسى رئاسة مصر منذ عام كانت بالديمقراطية
وصناديق الانتخاب ولم تكن باختيار السماء دون إرادة الناس، فهو ليس رسولاً وليس نبياً،
فلماذا لفظ الشرعية الذى يوهم البسطاء بتعلق الأمر بالدين.
(2) إن الدكتور محمد بديع، المرشد العام للإخوان، قام فور اختيار الدكتور مرسى
رئيساً لمصر بالإعلان عن تحلله من البيعة الإخوانية. وهذا أصل فقهى فى جواز التحلل من البيعة.
فلماذا ننكر على الشعب خروجه على رئيسه المنتخب.
(3) إن الإسلام لا يجيز الخروج لمناصرة شخص ما ولو كان أقرب الناس
وإلا كانت عصبية مقيتة من مات دونها فلا يحسب على المسلمين،
كما أخرج مسلم عن أبى هريرة أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال:
«من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقُتل فقتلة جاهلية».
وإنما شرع الإسلام الخروج لمناصرة الحق الموضوعى، فلو قتل إنسان بغير حق ولو كان غير مسلم
وجب على عموم المسلمين السعى لحقه، كما أخرج البخارى عن أنس أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال:
«انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً». قالوا: كيف ننصره ظالماً؟ قال:
«تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره». ولهذا كان مما يقبحه الإسلام
أن تقول أنا من أنصار فلان وإنما تقول أنا من أنصار الحق الذى لفلان.
(4) إن ولى الأمر مسئول باسم الإسلام وباسم الفطرة وباسم الديمقراطية وباسم العقل
وباسم كل الأصول الإنسانية على أرواح من يلى أمرهم معارضين ومؤيدين،
فإذا كان الدكتور مرسى رئيساً لمصر باسم المشروع الإسلامى وقد رأى ما وصل إليه الحال
من تقاتل وحشى بين أبناء وطنه فهذا الأولى أن يفدى شعبه بنفسه؛ لما أخرجه الشيخان
واللفظ للبخارى عن ابن عمر أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال:
«كلكم راع فمسئول عن رعيته، فالأمير الذى على الناس راع وهو مسئول عنهم»،
والمسئولية للإمام فى مناسبة تلك الإمامة فى التولى والممارسة والعزل.
(5) إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) خرج من مكة مسالماً، وكان فى مقدوره
أن ينشئ خلية عسكرية من محبيه تحميه إلا أنه أراد أن يعلم البشرية طريق السلام
فى كل الأحوال، وقال كلمته المشهورة لبلده الحبيب مكة: «والله إنى لأعلم أنك أحب بلاد الله
إلى الله وأحبها إلى نفسى ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت».
علماً بأن أهل مكة كانوا فريقين منهم المحب ومنهم الكاره فلم يستقو الرسول (صلى الله عليه وسلم)
بالمحبين ولم يجعلهم وقوداً لحياته، ولم يعد إلى مكة بعد أن أخرجوه منها إلا بإذنهم
فى عمرات حتى الفتح. فهل يقتدى الدكتور مرسى وأنصاره برسول الله (صلى الله عليه وسلم)
ويقول: لولا أن الشعب أخرجنى من الرئاسة ما خرجت، ويرضى بقضاء الله وقدره،
ويستأنف رحلة انتخابية جديدة؟! إنه إن فعل فسيعيد الثقة عند الناس فيمن يحب الإسلام ولا يتاجر به.