07.04.2013
كان يوم الثلاثين من يونيو 2013م يوماً تاريخياً فى حياة المصريين وحضارتهم الإنسانية الراقية
التى أذهلت العالم بخروجهم الثانى على رئيسهم ونظامهم الحاكم لتقويمه،
وذلك بعد ثلاثين شهراً من ثورتهم فى الخامس والعشرين من يناير 2011م، متحلين بالسلمية،
وقاصدين للتطهير والإصلاح. إلا أن خروجهم الثانى قد غطى بجماله وروعته
على خروجهم الأول من وجوه منها:
(1) أن الخروج الأول اندس فيه طرف ثالث بإشاعة النميمة عن ثروات بالمليارات لرموز النظام السابق
بما أوهم الشعب أن أزمته الاقتصادية ستنفرج بسقوط النظام،
وما إن انتهت أكثر المحاكمات لهذا النظام إلا وقد تكشفت الحقيقة أمام الشعب بأن طرفاً ثالثاً مغرضاً
كان يمشى بالنميمة ويجيد حبكتها. فكان الخروج الثانى يوم الثلاثين من يونيو خروج الأساتذة
المؤمنين الذين لا يلدغون من جحر مرتين، لم يسمحوا لشبيه الطرف الثالث أن يندس بينهم،
فلم تكن مطالبهم استشرافاً لمال وإنما كانت لإقامة العدل الذى أمر الله به فى كتابه:
«وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ» (النساء: 58)،
وأمرت به السنة فيما أخرجه الشيخان عن النعمان بن بشير،
أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال: «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم».
(2) أن الخروج الأول خالطه قتل متعمد لأبرياء، وحرق مقصود لمنشآت،
وإطلاق موجه لسجناء سياسيين ومجرمين، ما أهلك كثيراً من الممتلكات وأضاع كثيراً من التجارات
وأثار الرعب فى جميع الأوساط، فلم يهنأ المصريون بانتصارهم على نظامهم السابق،
خاصة بعد أن حرموا ثمرته. أما هذا الخروج الثانى فلم يلابسه شىء من العنف إلا اللَّمم،
وعاش المصريون فيه ليلة رأوا خيرها فى تراحمهم وتعاطفهم وتناصحهم،
وعقدوا العزم على الاستمرار حتى يزيلوا الاحتكار الملعون للسلطة، ويستردوا السيادة
التى نص عليها الدستور الحالى فى مادته الخامسة: «السيادة للشعب يمارسها ويحميها»،
وهى التى كان فى القديم يملكها الإمام العادل، مثل ما ورد عن جعفر البرمكى، وزير هارون الرشيد،
الذى كتب إلى بعض عماله: «أما بعد، فقد كثر شاكوك، وقل شاكروك، فإما اعتدلت وإما اعتزلت».
(3) أن الخروج الأول كان فى حدود العشرين مليوناً -بحسب المذاع إعلامياً-
وكان هذا مبهراً لشعب لم يعرف الحرية السياسية عقوداً طويلة، فلم يحلم إلا بخروج عشرات الآلاف، ف
إذا به يجد تلك الملايين تنطلق نحو الحضارة والحرية من الميادين إلى قصر الاتحادية
الذى ظل مهاباً. ثم كان الخروج الثانى الذى راهن عليه الطرف الثالث، وظن أن المصريين
شاخت إرادتهم وهبطت عزيمتهم، وبخاصة فى ظل سياسة التقطير لقوتهم ووقودهم
وحوائجهم الضرورية، إلا أن الإرادة المصرية فاقت كل التوقعات فخرج أكثر من ثلاثين مليوناً
-بحسب المذاع إعلامياً- فى ميادين مصر ابتداءً من قصر الاتحادية بعد كسر حاجز الخوف
ينادون بمطلبهم الإنسانى العادل الذى لن يصرفهم عنه نظام مهما جمع فى يديه مكائد الشيطان؛
لإيمانهم بقوله تعالى: «أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ» (المجادلة: 19)،
وقوله تعالى: «رَضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (المجادلة: 22).
وإنما يخسر حزب الشيطان، لأنه يشاغب بما يلبّس الأمور ويضيع الحقوق،
وقد قيل قديما: الحق أبلج والباطل لجلج.
(4) أن الخروج الأول كان فى جبهة واحدة ضد الاستبداد وما أذيع حول الفساد،
فلم يمتحن الخارجون مع أنفسهم. أما الخروج الثانى يوم الثلاثين من يونيو فقد ابتلى فيه الخارجون،
ووقعوا فى امتحان صعب حيث ظهر منبران؛ «تجرد» التى قالت إنها جمعت 26 مليوناً،
و«تمرد» التى تقول إنها جمعت 22 مليوناً، ولكن أرض الواقع كانت شاهدة لـ«تمرد»
بتسعة أعشار من «تجرد». وأعظم ما فى هذا الخروج الثانى هو سلميته
الأكثر سلاماً من الخروج الأول، فى ظل هذا الامتحان الخطر.
لقد خرج الشعب يوم الثلاثين من يونيو ليخاطب رئيس نظامه دون واسطة،
وكان ينتظر أن يواجهه الرئيس، إلا أنه ضن على معارضيه السلميين بإطلالته،
فلم يسمع منهم ولم يهدئ من روعهم، حتى قالوا بلسان الحال: لجماعةُ الرئيس ومؤيدوه
أحب إليه منا ونحن الأغلبية التى كانت توصف بالصامتة أو بحزب الكنبة ونستحق التقدير،
لماذا التقى الرئيس بأنصاره الذين ليست لهم مظالم أمام الاتحادية فى يوم 23/11/2012م
وامتنع عن استقبال معارضيه الذين يعلنون مظالمهم يوم الثلاثين من يونيو 2013م؟
أليس من مسئولية الرئيس أن يطلب تحقيقاً عاجلاً فى أرقام «تجرد» و«تمرد»
لمحاسبة الكاذبين، والنزول عند كلمة الصادقين.
إننى أطمئن أصحاب المظالم بأن الله لن يضيعكم، فقد أخرج الشيخان عن ابن عباس
أن النبى (صلى الله عليه وسلم) بعث معاذاً إلى اليمن،
فقال: «اتقِ دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب».
لقد عاتب الله نبيه (صلى الله عليه وسلم) يوم عبس وتولى عن صاحب الحاجة الذى قصده،
وانشغل بمن ليست له حاجة، فقال سبحانه: «عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى *
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى *
وَأَمَّا مَنْ جَاءكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ » (عبس: 1-11).