08.22.2013
هذه الآية الكريمة رقم 193 من سورة البقرة، وقد ذكر الإمام البخارى فى تفسيرها عن عبدالله بن عمر
أنه أتاه رجلان فى فتنة عبدالله بن الزبير، فقالا: إن الناس ضُيِّعوا وأنت ابن عمر
وصاحب النبى صلى الله عليه وسلم، فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعنى أن الله حرّم دم أخى.
فقالا: ألم يقل الله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ»؟
فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة
وحتى يكون الدين لغير الله. قال البخارى: وفى رواية عثمان بن صالح،
أن رجلاً قال لابن عمر: يا أبا عبدالرحمن، ما حملك على أن تحج عاماً وتقيم عاماً،
وتترك الجهاد فى سبيل الله عزّ وجلّ، وقد علمت ما رغّب الله فيه؟ فقال: يابن أخى،
بُنى الإسلام على خمس: الإيمان بالله ورسوله، والصلوات الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت.
قال: يا أبا عبدالرحمن، ألا تسمع ما ذكر الله فى كتابه: «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا
فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ» (الحجرات: 9)،
وقوله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ» (البقرة: 193)؟
قال ابن عمر: فعلنا على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان الإسلام قليلاً،
فكان الرجل يُفتن فى دينه إما قتلوه وإما يعذبونه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة.
أقول: إن معنى كلام عبدالله بن عمر، أن من يقاتل بحثاً عن السلطة وفرضاً لفقهه على فقه الآخرين
هو من يريد جعلها فتنة وجعل الدين له. أما من يقاتل من أجل تمكين الإنسان أن يختار دينه حيث شاء
وأن يمارس شعائر دينه حيث يعتقد دون الإضرار بالآخرين فهو من يقاتل حتى لا تكون فتنة
وحتى يكون الدين لله. وكأن هذا التفسير الذى ذكره عبدالله بن عمر منذ ألف وأربعمائة سنة تقريباً
جاء يعظ الخارجين على المجتمع المصرى اليوم والمناصرين لهم، والراضين بشهر سلاحهم فى مواجهة العامة
ورجال الأمن، والساكتين عن حرق أقسام الشرطة والمصالح الحكومية والمساجد والكنائس،
والخانعين عن إنكار سحل ضباط الشرطة فى كرداسة والتمثيل بجثثهم فى الطرقات على مرأى ومسمع من ذويهم،
والمتخاذلين عن رفض الغدر بجنود الجيش فى سيناء مهما كانت الأسباب الدافعة إلى هذا الحقد والغل،
ناهيك أن يكون السبب هو أن الخارجين يلهثون على السلطة والحكم وكأنها مغنم، وهم فى الحقيقة
يشعلون الفتنة بين أبناء الوطن الواحد باسم الدين الذى جاء يجمع الناس ولا يفرقهم، فلا ينكر أحد أن الله تعالى
أمات الفتنة باسم الدين على يد رسوله صلى الله عليه وسلم، وصار الناس يعيشون فى وطن واحد يسع بعضهم
دين بعض ومذهبه. إلا أن الخارجين أبوا إلا أن تكون فتنة ويكون الدين لهم يحملون الناس على فقههم
وهواهم ويكسرون إرادة الناس بالعنف والإرهاب، ولا يريدون أن يكون الدين لله بحيث يختار الإنسان دينه
بقناعته وعلى الوجه الذى يطمئن إليه قلبه
كما قال تعالى: «لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ» (البقرة: 256)،
وهذا هو معنى جواب عبدالله بن عمر رداً على من طلب منه المشاركة فى قتال عبدالله بن الزبير
لحماية ملكه الذى سقط بعد تسع سنوات وليس بعد سنة واحدة على يد الحجاج بن يوسف الثقفى
لصالح عبدالملك بن مروان سنة 73 هـ، وقال عبدالله بن عمر قولته المشهورة: نحن مع من غلب. وللحديث بقية