جاء الإسلام ليحرر الإنسان من الانتماء والولاء للأشخاص والأسماء،
حتى لو كان هذا الشخص نبياً أو رسولاً أو صديقاً أو شهيداً.
وحتى لو كان هذا الاسم مهاجرياً أو أنصارياً أو إخوانياً أو سلفياً.
الإسلام لا يعرف مستحقاً للتعظيم سوى الله، بأسمائه الحسنى وصفاته العليا؛ لمعان كثيرة منها:
(1) أن الله تعالى هو الحق الذى يقيمه ويأمرنا بإقامته فى مواجهة النفس والأهل والولد والعشيرة
وكل مخلوق على السواء. من كان منهم على الحق نصرناه فيه، ومن كان منهم على باطل قاومناه فيه.
(2) أن الله تعالى هو العدل الذى يقيمه ويأمرنا بإقامته فى مواجهة الأحباب والأعداء على السواء،
كما قال تعالى: «وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا * اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ» (المائدة: 8).
والإسلام ينكر الالتفاف حول أى اسم سوى اسم الله وحده، دون أى إضافة من جماعة أو فرقة
أو طائفة أو حزب؛ لأن الله تعالى رب الناس وإله الناس، من آمن منهم ومن لم يؤمن،
ولهم جميعاً عليه حق الرزق والأمن فى الدنيا، فلا وجه لتصنيفهم بأسماء تعظيمية
ترتب عصبية بينهم أو عداوة فيهم، وما يستتبعه ذلك من فساد.
وإنما يجوز تصنيف الناس بأسماء تعريفية؛ لضرورة التمايز،
كما قال تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» (الحجرات: 13)،
ولهذا ورد عند المسلمين الأوائل قولهم: هذا مكى وهذا مدنى، كما نقول نحن فى عصرنا:
هذا مصرى وهذا سودانى. وكما ورد عنهم: هذا مهاجرى وهذا أنصارى، كما نقول نحن فى عصرنا:
هذا سائح وهذا مواطن؛ لأن مثل تلك الأسماء تعريفية وليست تعظيمية، بخلاف اسم «الإخوان المسلمين»
واسم «الجماعة السلفية» واسم «الجماعة الإسلامية» واسم «حزب الله»
ونحو ذلك مما يمنح منسوبيها مرتبة دينية يتعالون بها على غيرهم فى الدنيا،
كما يغيبهم عن الواقع الدينى الصحيح بأن الله تعالى سيحاسبهم كغيرهم فرداً فرداً،
ولا يملك أحدهم يومئذ الاستقواء بجماعته التى أحاطت به فى الدنيا.
ولم يكن اختيار مؤسسى تلك الجماعات لأسمائها التعظيمية إلا بهدف تشديد الرابطة
والانتماء بين الأعضاء وبين إدارة تنظيمهم، وتوثيق الولاء بين الأتباع وقائدهم؛
بحيث إذا نادى مناديهم حى على الجهاد انطلقوا بعاطفة الاسم يفدونه بأرواحهم ويستريح الأمير
من مراجعة العقلاء فى حق هذا الجهاد أو بطلانه؛ لأنه اختصر الدين فى هذا الاسم الذى يسحر العقول
ويجعل من أتباعه مجرد أجساد تملأ المكان عند اللزوم وتكون دروعاً بشرية لوجهاء الجماعة وأمرائها.
إننى إذا كنت أعتب على أمراء الجماعات مرة، لماذا تستغلون اسم الدين لتسويق مشروعكم السياسى،
مع أن الدين لكم ولغيركم بحسب اختلاف الجميع فى تفسير نصوصه. إلا أننى أعتب على الأتباع
والمنتسبين مائة مرة، كيف بكم تثقون فى أوامر وجهائكم الذين يقذفون بكم حطباً
فى فتنة لا ناقة لكم فيها ولا جمل. لماذا تفدون أمراءكم بدمائكم وأوقاتكم وأنتم الأحق بذلك لأنفسكم؛
فهم لن يغنوا عنكم من الله شيئاً. لماذا قبلتم المخاطرة بتسليم عقولكم لجماعات ما أنزل الله بها
من سلطان ومنحتموها بيعتكم التى هى بمثابة تنازل عن صوتكم الدينى فى الدنيا يتاجر به الزعماء؟
لماذا لا يستقل كل واحد منكم كسائر الخلق فى علاقة تنافسية مع الله؟
فبعضنا أقوى إيماناً من بعض، بحسب النية الفردية والإخلاص الذاتى وليس بحسب الانتماء الطائفى؛
فقد أخرج الطبرانى وابن ماجه برجال ثقات وصححه الألبانى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم
قال: «إن أمتى ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلها فى النار إلا واحدة. وهى الجماعة».
وأخرجه الترمذى وحسنه الألبانى عن ابن عمر بلفظ: قالوا ومن هى؟
قال: «ما أنا عليه وأصحابى». وهذا ظاهر فيمن يجتمع مع كل من يريد خيراً،
ويعارض كل من يريد شراً دون الانتماء إلى اسم بعينه يؤجج العصبية.
إن كل اسم لطائفة أو جماعة يحشدها عند الغضب ويجمعها عند الزهو بالعدد اسم جاهلى؛
لأنه يدعو إلى عمى القلب وتحكيم العصبية، فقد أخرج مسلم عن جندب بن عبدالله
أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل تحت راية عمية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلة جاهلية».
وهذا ما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته المنتمين إلى المهاجرين والأنصار،
فقد أخرج الشيخان عن جابر أن رجلاً من المهاجرين كسع -أى ضرب بقدمه المؤخرة-
رجلاً من الأنصار فقال: ياللأنصار. وقال المهاجرى: ياللمهاجرين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم. دعوها فإنها منتنة».
كان الواجب على الأنصارى المظلوم أن ينادى أهل العدل فى المطلق لرفع الظلم عنه حتى ينصره
كل المهاجرين والأنصار على السواء، ولا يدعو إلى العصبية باسم الأنصار أو باسم المهاجرين.
فهل يستيقظ أتباع الجماعات التى تغضب لعصبية الاسم أو تنصر لعصبية الشخص
قبل استفحال الفتنة وشيوع الجاهلية باسم الدين الذى يظلمه بعض أهله؟