07.09.2013
خالد البرى
معايير الحكم الديمقراطى، وحقوق الإنسان، والمساواة بين الناس. كلها معايير إنسانية.
طورتها البشرية بعد أن تخلصت من حكم رجال الدين. كان حكم رجال الدين سلطويا،
وكان الناس -حتى العلماء منهم- يفقدون حياتهم على أهون اعتراض أو تشكيك فى معارف السلطة،
ناهيك بالمعارضين السياسيين. أما المساواة فكانت كلمة قبيحة، وذنبا دينيا،
ومخالفة لكلام الله، كيف تساوين بين مؤمنة وكافرة، أو كافر ومؤمن؟
بل كيف تساوين بين رجل وامرأة، وقد مايز الرب بينهما؟!
دققى فى الكلام الذى قلته أعلاه. هل فيه أى تجنٍّ أو مبالغة؟
بل هل يصدر خلافه حتى من إسلامجية عصرنا؟ هل سمعت كيف يتحدثون عن الشيعة،
وعن اليهود، وعن المسيحيين، وعن كل إنسانة تدين بدين لا يطابق دينهم؟!
هل سمعت كيف كانوا يتحدثون إلى رئيسهم عن المعارضين العالمانيين والليبراليين؟
بم كانوا يطالبونه أن يفعل؟ بل ماذا فعلوا هم بهم، بأيديهم، عند قصر الاتحادية؟
كل هذا يثبت أن المعايير الإنسانية التى ذكرتُها أعلاه لا تعنى بالنسبة إليهم شيئا.
بل يستخدمونها حين يكونون فى المعارضة من باب الحداقة والشطارة و«الحرب خدعة».
لكن. هذه القيم مهمة بالنسبة إليك أنت. مهمة لكى تخلقى المجتمع الذى تنشدين.
مهمة لكى يتربى أبناؤك على التفكير باستقلالية، على تكوين شخصياتهم المتميزة،
وعلى التمتع بالحياة، فى سلامة وأمن. مهمة لكى تكون جهود أبناء مجتمعك موجهة لخدمتك،
وجهودك موجهة لخدمتهم. لكى يتعاون المجتمع بدل أن يتحارب. ليس هذا بالشىء اليسير.
المجتمع الذى لا يفعل هذا يعود دون أن يدرى إلى عصور تشبه عصور حكم رجال الدين،
أو عهود السلطوية. مجتمع كهذا لن نخرج منه بقفزة. بل سنستمر فيه فترة طويلة.
لأنه يجعل الأمر مريحا بالنسبة إلى السلطة.
والسلطة مطالبة بالحكمة فى تحديد مدى الخطر، ومصدر الخطر، وحجم الرد على الخطر،
سريًّا من خلال تعقب الخلايا المسلحة،
وعلنيا من خلال عدم التسامح مع التحريض على العنف من أى طرف.
وميدانيا من خلال تعقب المسلحين المنتشرين فى الشوارع. وتصويرهم وتوثيق الأفلام.
أما أنت وأنا، فنحن لا نعلم. لا نعلم الحقيقة. فى الإطار العام أيدنا إسقاط سلطة مرسى،
وسنؤيد خطوات التحول إلى دولة ديمقراطية حسب المعلن من تصريحات.
لسنا مطالبين بدعم أى تصرفات أخرى بناء على «الثقة» أو بناء على كراهية طرف وحب طرف آخر.
مطالبون بالإنسانية، بالمعايير التى توصل إليها الجنس البشرى لتحسين المجتمعات.
لكن هذه المجتمعات لم تترك لفظة الإنسانية عائمة، وإلا لاستخدمت لتحقيق تعاطف
مع طرف (قتل منه فى اعتصام رابعة)، كما استخدمت فى التهييج
ضد نفس الطرف (أنصاره رموا فتى مراهقا من فوق خزان). الإنسانية هنا سلاح ذو حدين.
ولا بد من معيار «اجتماعى» لتحقيقها ولقياس ما تحقق. معيار يمكننا من الخروج من الحيرة.
حيرة أن تسمع شخصا يتوعدك بأنه سيسحقك، وسوف يذل عنقك.
ويهددك بتحويل بلدك إلى سوريا. وعلى الجانب الآخر يسقط له عدد كبير من القتلة.
هذا المعيار هو القانون، أن يعرف المحرض أنه لن ينجو.
وأن تعرف السلطة أنها لا تملك شيكا على بياض. هذا أفيد للبلد، وأدعى لحماية المواطنين،
من ادعاءات سياسية بـ«الإنسانية»، ستتحول إلى جدل لا ينتهى.