07.13.2013
خالد داوود
إلى هذه الدرجة يهون الوطن على قادة مكتب إرشاد الإخوان؟ هل قرروا عقاب المصريين
على أنهم نجحوا فى إنهاء حكمهم الفاشل فى ثورة شعبية رائعة سلمية، بأن يحرقوا البلد
وما فيها ويدفعوننا دفعا نحو الحرب الأهلية والتدخل الخارجى؟ خيبة قادة الإخوان
وخيانتهم فاقت التخيلات، وللأسف لا يمكن وصف ما يفعلونه الآن سوى بالخيانة.
هى خيانة بكل تأكيد، وغباء، أن تدفع أنصارك للهتاف «الشعب يريد جيش مصر الحر» على النمط السورى،
وكذلك إصدار بيانات تتاجر بدماء شباب الإخوان الذين يتم استخدامهم كمجرد وقود فى المعركة،
والمطالبة بتدخل العالم الخارجى لمنع تكرار سيناريو سوريا فى مصر.
هل معقول أن يصدر الإخوان بيانا يدعون فيه «المجتمع الدولى والمنظمات والهيئات الدولية
وكل أحرار العالم إلى التدخل لوقف المزيد من المجازر وإسقاط الغطاء
عن ذلك الحكم العسكرى كى لا تكون هناك سوريا جديدة فى العالم العربى؟!».
أى سوريا يا قادة الإرشاد الذين غاب رشدكم؟ أين قراءتكم الواقعية للحقائق القائمة على الأرض؟
هل تتصورون أن مجرد تصوير فيديوهات مزيفة لكومبارس يرتدون زى القوات المسلحة
ويعلنون انشقاقهم عن الجيش، هل هذا وحده يكفى أن يحدث فى المؤسسة المصرية
انشقاقا يصل إلى درجة ما نشهده فى سوريا؟
لن أتحدث عن القانون وتجريم مثل هذه الدعوات من الأساس.
ولكن فقط أحيلكم إلى آخر استطلاع للرأى أجراه المعهد العربى الأمريكى حول آراء المصريين
بعد عام من حكم مرسى، وتم نشره فى مطلع الشهر الحالى. وكم كان مدهشا
للقائمين على الاستطلاع أنفسهم أن مؤسسة الجيش تحظى بثقة 94 فى المئة من المصريين،
مقابل 28 فى المئة فقط يثقون فى الإخوان والأحزاب الإسلامية، ونسبة مماثلة
تحظى بها أحزاب المعارضة المنضوية تحت لواء جبهة الإنقاذ، نحو 30 فى المئة.
وفى استطلاع أجراه معهد بصيرة فى نفس التوقيت، أعرب ٦٠ فى المائة ممن تم سؤالهم
أنهم يعتقدون أن مصر كانت ستصبح فى وضع أفضل لو استمر المجلس العسكرى فى حكم مصر.
بالطبع كنت أتمنى كعضو فى أحد الأحزاب المدنية أن تكون هذه الأحزاب أكثر شعبية،
ولكن كل من يعملون فى السياسة فى مصر ويعرفون تاريخها الحديث جيدا يدركون أن
المصريين لا ينظرون إلى جيشهم وقيادته على أنهم مجموعة من المرتزقة،
وأن هذا الجيش هو المؤسسة الوحيدة التى استمرت متماسكة إلى حد كبير فى أعقاب ثورة 25 يناير.
نعم، وبكل تأكيد، ارتكب المجلس العسكرى أخطاء فادحة تستوجب التحقيق والمحاسبة،
وكذلك لا بد من المحاسبة ومعرفة الحقيقة الكاملة بشأن المسؤولين
والمتسببين فى مقتل هذا العدد المفزع من المصريين أمام مقر الحرس الجمهورى
يوم الإثنين 8 يوليو الدموى، ولكن تبقى الحقيقة التى يجب أن يقر بها أى سياسى،
وهى أن الجيش، بقيادته وجنوده، يحظى بثقة المصريين إلى حد كبير.
ورغم التحذيرات المتكررة من خطورة وجنون ما يقومون به من تحريض،
ما زال قادة الإخوان من على منصة رابعة العدوية يزيدون ويكررون فى دعوات الشقاق والفتنة
والقتل والشهادة والجهاد، ويقولون بلا خجل فى بياناتهم إن احتجاجاتهم موجهة إلى «قيادة الجيش»
وليس «الجيش كله»، الذى يقولون إنهم يحترمونه ويعتبرونه مؤسسة وطنية.
بل ويزيدون على ذلك بالدعوة صراحة إلى الانشقاق داخل الجيش بالقول إن
«هناك عقلاء داخل المؤسسة العسكرية سيمنعون استمرار تلك الأوضاع الانقلابية الشاذة
والغربية على الجيش المصرى»، لقد بعتم الوطن وانتهى الأمر، وأصابتكم اللوثة والحسرة
من فقدان كراسى الحكم، لدرجة أنكم لا تمانعون فى أن تأتوا بصور لأطفال قتلى فى الصراع السورى
وتزعمون أن الجيش المصرى يقتل الأطفال والنساء. أليس من أول مبادئ الإسلام الصدق
لدرجة أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان الكفار ينادونه بـ«الصادق الأمين؟».
وفى حوار شاركت فيه مع متحدث باسم جماعة الإخوان فى قناة «العربية»، الدكتور طارق مرسى،
قال صراحة إن غضبة الإخوان لن تهدأ إلا بعد «تعليق السيسى وأعوانه على المشانق،
ومصيرهم جهنم وبئس المصير»، لم يكتف المرسى الملكوم بتهديدات هيهات أن يستطيع تنفيذها،
ولكن اتبع سنة جماعته فى الحديث باسم الله سبحنه وتعالى فى عقد احتكار لم يمنحهم إياه أحد،
لدرجة أنهم يقررون الآن من سيدخل الجنة ومن سيكون مصيره جهنم وبئس المصير.
يصمم الإخوان على العناد والإنكار حتى لو كانت الحقائق ساطعة كالشمس،
وهو أمر معتاد وعهدناه منهم على مدى عام كامل. ولكن الآن الأمر تعدى كل الخطوط الحمراء،
وتجاوز احتجاجات أنصار جماعة غاضبة تم دفعها بالإرادة الشعبية خارج الحكم لفشلها التام
فى إدارة شؤون مصر، مما أدى ببلدنا إلى الوصول إلى حافة حد حرب الأهلية
لأول مرة فى تاريخها الحديث. فالترويج والتحريض على إحداث انشقاقات داخل الجيش
أمر يخرج بالإخوان من دائرة الجماعة الوطنية، ويزيد من صعوبة استمرار النوايا الحسنة
فى التعامل معهم والرغبة الحقيقية فى اندماجهم فى حياة سياسية ديمقراطية تعددية بحق فى مصر.
كما أن دفع شبابهم لاقتحام مقرات الجيش وافتعال المعارك معهم لن يزيد سوى من الانشقاقات
داخل صفوفهم هم. فهذا الشباب الإخوانى المصرى يحب بلده، ولن يقبل لفترة طويلة
أن يستهين قادته بأرواحهم بكل هذه الرعونة وكراهية الوطن. نفس الشباب الإخوانى
احتج على قيام قادة الجماعة بتخزين السلاح فى مقرهم المركزى السابق فى المقطم،
وقيامه باستهداف المتظاهرين بشكل مباشر وقتل 11 شابا مصريا بدم بارد فى يوم 30 يونيو المجيد.
وعندما كنت أسأل أعضاء الإخوان فى حواراتنا عن تبريرهم هذه الجريمة، كان يقولون
بتبحح ودون أى أسف على الأرواح التى أهدرت، إن أولئك الشباب الذين جاؤوا للتظاهر
أمام المقر كانوا يودون اقتحامه ويستحقون الموت. ما بالكم الآن وقد دفعتم ببعض خيرة شباب مصر،
نحتسبهم عند الله شهداء شهوة السلطة لدى قادة مكتب الإرشاد، لاقتحام مقر عسكرى
مكتوب عليه «ممنوع الاقتراب والتصوير» ويحرسه جنود مدربون فقط على إطلاق النيران؟
تعقلوا قليلا، حبوا وطنكم، ولا تدفعوا المصريين دفعا لكراهيتكم للأبد، لأنكم تريدون
أن تدمروا هذا البلد وتشتهون النموذج السورى حتى لو كان معنى ذلك هدر دماء مئات الألوف
من أبناء نفس الوطن، أملا فى عودتكم للحكم. لن تعودوا بهذه الطريقة. قد تختفون للأبد.