07.18.2013
مسعد أبو فجــــر
كانت حرب داحس والغبراء بين قبيلتى عبس وذبيان «استمرت ٤٠ عامًا» مقدمة لنزول الإسلام
وتوحد القبائل العربية تحت رايته.. أيضًا كانت حرب الثلاثين عامًا
بين الكاثوليك والبروتستانت فى أوروبا «التى قُتل فيها أكثر من ٦٠٪ من سكان ألمانيا الحالية»
إيذانًا بانتهاء دور الكنيسة ودخول أوروبا «ومن ثَم البشرية كلها» فى العصور الحديثة..
عن أحداث سيناء أتحدث. أحيانًا يبدو لى أن الله خلق سيناء وجعلها صحراء
ومنحها من روحه بل ومن وجوده نفسه «أعنى تجليه على جبلها المقدس»
ليحرق فيها الأسئلة التى لا معنى لها.. وفى سيناء الآن يحترق أكثر سؤالين يعيقان التقدم فى مصر
ومن ثَم فى الشرق الأوسط «بل يعيقان التقدم فى العالم كله» سؤال العسكر وسؤال إخوان..
«سؤال العسكر هو مصانع المكرونة وبنزينات وطنية أما سؤال إخوان فهو البقالات وهلاوس التمكين»..
هذه ليست المرة الأولى فى التاريخ التى يجعل الله من رمال سيناء فرنًا لحرق الأسئلة التى بلا معنى.
مثلًا، حين قال بنى إسرائيل لأخيهم موسى، اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة..
كانت النتيجة أن فرض الله عليهم التيه ٤٠ عامًا بين جبال سيناء القاسية. لماذا ٤٠؟
ليموت الجيل الذى زل عن سؤاله الرئيسى، دخول الأراضى المقدسة..
واستعاض عنه بسؤال زائف، اجعل لنا إلهًا كما أن لهم آلهة.. ومن التاريخ القديم والمقدس
إلى التاريخ الحديث وغير المقدس.. فى رمال سيناء على الحافة الشرقية لقناة السويس،
احترق سؤال العثمانلى.. كان السلطان عبد الحميد العثمانى قد عمل خلطة من العصور كلها،
تحالف مع دولة ألمانيا فائقة الحداثة «حينها» فقط من أجل الإبقاء على سؤاله الرئيسى والمحورى،
إمبراطورية عثمانية ترفض الانتقال من زمن الجوارى إلى زمن الطباعة..
والنتيجة كانت هزيمته مع حليفه الألمانى من قبل الإنجليز فى معارك قناة السويس،
إيذانًا بانتهاء سؤال دولة الجوارى لمصلحة سؤال مختلف أتى به كمال أتاتورك.
فى الخمسينيات والستينيات وعلى رمال سيناء، اشتبك السؤالان، سؤال إسرائيل الصهيونية،
بوطن يمتد من النيل إلى الفرات مع سؤال مصر الناصرية، بوطن يمتد من المياه الإقليمية لمراكش
فى المحيط الأطلنطى إلى المياه الإقليمية لسلطنة عُمان فى بحر العرب، تكون عاصمته القاهرة..
والنتيجة، احترق السؤالان على رمال سيناء شديدة الحرارة. وعادت إسرائيل إلى داخل حدودها،
تحلم بدولة يهودية على ما تيسّر من أرض فلسطين. أما مصر فقد بدأت البحث
عن سؤالها الحقيقى، عيش-حرية-عدالة اجتماعية-كرامة إنسانية..
«حتى لا يزعل أصدقائى الناصريين، أنا رجل باكتب سرد.. يعنى عليك التعامل مع ما أكتب بمقاييس
الفن لا بمقاييس الموضوع.. يا إلهى ما أهمية الموضوع أصلًا؟!.
الأهمية الأولى والوحيدة هى للإنسان.. وللإنسان وحده»..
قامت ثورة ٢٥ يناير أساسًا من أجل الإنسان المصرى أولًا ثم الإنسان فى الشرق الأوسط ثانيًا..
وثالثًا من أجل الإنسان فى العالم كله.. تغوّلت الدولة المصرية على الإنسان المصرى،
بحيث قعدت على كرسيها الكهنوتى.. وأمسكت بكل الخيوط بين أصابعها، البوليس والجيش
والقضاء والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والإعلام والإذاعة والتليفزيون والجرايد..
لم تترك للإنسان المصرى شيئًا (أى شىء) غير معاناة مستمرة فى مواصلاتها وإذلال متواصل
فى أقسام بوليسها وفى أجهزتها.. على هذا قامت الثورة من أجل أن يستعيد الإنسان المصرى
دولته «كل دولته بجيشها وبوليسها وقضائها وسلطاتها التشريعية والتنفيذية
وإعلامها وإذاعتها وتليفزيونها وجرايدها.. كلها له.. وله وحده»..
ولكن هل ستستسلم هذه الدولة لرغبات المصرى، بالأحرى هل ستستسلم لحق المصرى بهدوء
ودون غلبة وكثرة زعيق؟. لا.. ومن قال إن الباغى يستسلم، إنه يظل يقاتل
ويختلق أعداء متوهمين ويخترع معارك ثانوية لإلهائك عن معركتك الرئيسية. قلت لمحدثى،
فى اللحظة التى تجدنا فيها ندخل معارك بره، معارك استرداد الدولة. عليك أن تفهم أننا مرتبكون..
كيف؟ (سأل) قلت معاركنا الرئيسية هى من أجل دولة المواطنة والتعددية والديمقراطية
واحترام حقوق الإنسان، كما فهمتها الأمم المتحضرة، بما لا يتناقض مع قطعى الثبوت
قطعى الدلالة من أحكام ديننا.. باقى المعارك ليست لها أهمية إلا فى كونها حرقًا لأسئلة معيقة.