07.18.2013
خالد البرى
ماذا فعل الأمويون فى مواجهة التمرد (المعارضة) لحكمهم؟ لقد وصل بهم الأمر إلى هدم الكعبة،
وإلى استحلال نساء المدينة لمدة ثلاثة أيام. هذه القسوة تكررت من قبل السلطة -والمعارضة-
على مدار التاريخ الإسلامى. من الأمويين إلى العباسيين الهاشميين، إلى العثمانيين الأتراك.
ومن الخوارج إلى القرامطة إلى الإسماعيلية. قسوة رهيبة. لا يمكن أن نعزوها إلى أسباب جينية،
أو طبائعية. بل نستطيع أن نعزوها منطقيا إلى سببين: أولهما الزمن الذى عاشت فيه هذه الدول،
وثانيهما تحويل الخلاف السياسى دائما إلى خلاف عقيدى،
من قبل الطرفين، لأن العقيدة كانت منبع السلطة السياسية.
السلطة السياسية النابعة من عقيدة ما خطر رهيب. لقد استخدمها الإخوان ضد معارضيهم
وهم فى السلطة، لأنها كانت فى صالحهم.
ماذا لو استخدمتها السلطة ضدكم الآن؟ ستكون وبالا عليكم. ستخرج فتاوى من هنا ومن هناك
بأنكم أحفاد الخوارج، وأن قتالكم واجب كقتال الخوارج، وأنكم تقطعون الطرقات،
وأنكم تحرضون على الفتنة. ستخرج ألف فتوى.
ما أسهل قدرة السلطة، أى سلطة، على استخراج الفتاوى.
لكننا لا نرضى بهذا. والمفاجأة أنكم ومناصروكم لا ترضون بهذا وأنتم فى صفوف المعارضة،
فلماذا لا يفتح هذا أذهانكم إلى حقيقة أن الدولة المدنية المواطنية الحديثة، أفضل لكم ولنا وللجميع،
من الدولة العقائدية القديمة، لأن العقائد لن تكون متشابهة أبدا، ستختلف فى التفاصيل،
وكارثتها أنها لا تسمح بالاختلاف فى التفاصيل، ليس من اليوم فقط، بل منذ لحظة، لحظة، وفاة النبى.
بل أزيدكم من الأسئلة سطرا.
لو كانت أمريكا تتعامل بعقل روما، كيف كان يمكن أن تتصرف مع هجمات ١١ سبتمبر.
هل سألت نفسك هذا السؤال؟
كان بمقدور أمريكا أن تضرب الكعبة بمنجنيق نووى، كما ضربتها «الدولة الإسلامية» من قبل،
لكنها لم تفعل، لماذا؟ لأن العصور الحديثة مختلفة فى طريقة تفكيرها.
صدقى هذا أو عيشى فى عصرك الذهبى، الخيار لك، لكن أعلمينا باختيارك، أعلمينا بقواعد اللعبة،
لا يمكن أن تكونى الحجاج بن يوسف الثقفى وأنت فى السلطة،
وأن تكونى نيلسون مانديلا وأنت فى المعارضة.
هذا وذاك ينتميان إلى عصرين مختلفين تماما، لن أفضل أحدهما على الآخر، الخيار لك.
العدل على طريقة الدولة الإسلامية نوع قديم من العدل، مواز لأنواع قديمة من الشرعية السياسية،
سلطات الحاكم، التنظيم المجتمعى، وأنواع قديمة من التكنولوجيا التى تستخدمها السلطة
لتحقيق الأمن وضبط الأمور، وأنواع قديمة من طرق التواصل بين أطراف الدولة،
وأنواع قديمة من فهم البشر، وفهم موقعهم من الكون، وفهم قدراتهم وحدود معارفهم،
وأنواع قديمة من أدوات مواجهة الخروج على القانون، وأنواع قديمة من القانون نفسه،
لكنكم لا تدركون هذا. حسنا، الخيار لك، لكن أعلمينا باختيارك.
لقد تحولنا إلى أمم فقيرة أخلاقيا إلى درجة التسول. نعيش على كرم الآخرين. على اطمئناننا
إلى أنهم سيتعاملون معنا بمبادئهم هم، لا بمبادئنا نحن. هل يرضيك هذا؟!
هل من هذا سمته يصلح لأن يكون نموذجا يقلده الناس؟!
إن هذا ما نريده: نريد وطنا رحبا يسع الجميع، على قدم المساواة، بلا تمييز، بلا انتهاك للحقوق،
بلا انفراد طرف سياسى بحيازة السلاح، والميليشيا المنظمة،
الجاهزة لردع كل معارضة أو تخويفها أو تهديدها.
الخلاف الأكبر بين القوى السياسية الآن فى منطقة الوسط وليس فى الأطراف، بين فريقين
يقولان لا للإقصاء، فريق منهما يصر على شروط العمل السياسى المتكافئ،
وفريق منهما لا يمانع عملا سياسيا فى ظل شروط إذعان، ويضع على خط التساوى
ميليشيا مسلحة، مع أحزاب عزلاء. هذا ليس عدلا. إلا بمعيار الحجاج وأبنائه.
فلنركز فى هذا الخلاف الحقيقى، الخلاف حول القواعد، ولنجعل مناقشاتنا حوله،
ولا نشتت أنفسنا بالادعاء أن طرفا مع حقوق الإنسان وطرفا ضد حقوق الإنسان.