08.03.2013
د عماد جاد
حسب خارطة الطريق التى أعلنها الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور،
فإن الانتخابات البرلمانية الجديدة ستجرى فى غضون ما بين أربع إلى ستة أشهر،
أى من ديسمبر 2013 إلى فبراير 2014، وذلك بعد أن يتم الانتهاء من إجراء التعديلات اللازمة
على الدستور، وهى تعديلات قد تصل إلى حد الإطاحة بدستور الجماعة الطائفى
عبر تغيير عدد كبير من المواد. وتعد الانتخابات البرلمانية القادمة
بالفعل أهم انتخابات بالنسبة لمصر والمصريين، فهذه الانتخابات
إما أن تعيدنا إلى نفس مربع الانتخابات السابقة أو تبدأ مرحلة جديدة على طريق تدعيم
تأسيس الدولة المصرية المدنية الحديثة. يتوقف كل ذلك على نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة،
والنتائج تتوقف على المقدمات، والمقدمات تتحدد بفعل تحركات القوى المدنية
وقدرتها على الوصول إلى درجة عالية من التوافق متمثلة فى تحقيق الاندماج بين
عدد من الأحزاب المدنية الصغيرة ذات التوجه المشترك أو المتشابه، وقدرتها أيضا على صياغة
نوع من التحالف الانتخابى مع غيرها من القوى المدنية ذات الاتجاه المختلف.
وفى تقديرى أن قلب عملية الاندماج أتوقع أن يتمثل فى ثلاثة أحزاب فاعلة على الساحة المصرية اليوم،
كل بدرجة ما، ولكنها تكمل بعضها البعض، وهى أحزاب المصرى الديمقراطى الاجتماعى،
الدستور والمصريين الأحرار، فهذه الأحزاب تتسم بأنها قريبة فكريا من بعضها،
صحيح أن المصرى الديمقراطى والدستور بينهما قاسم مشترك، وهو تبنى كل منهما لفلسفة الديمقراطية
الاجتماعية وما تفرزه من مفاهيم العدالة الاجتماعية والأخذ بيد الفئات الضعيفة فى المجتمع،
إلا أن الصحيح أيضا أن حزب المصريين الأحرار وإن كان حزبا ليبراليا يدافع عن اقتصاد السوق الحرة
يتبنى أيضا مفهوم العدالة الاجتماعيية، وقد تطور مفهومه كثيرا فى هذا الاتجاه،
حيث كان ينطلق فى البداية من النظر إلى العدالة الاجتماعية
ضمن مفهوم «المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال»
وهو مفهوم يختلف جذريا عن العدالة الاجتماعية كمفهوم فلسفى، فالأخير يرى العدالة الاجتماعية
ضمن المسؤوليات السيادية للدولة، لا الاجتماعية لرجال الأعمال، ولكن فى المحصلة النهائية
فإنه فى بلد مثل مصر تصل نسبة السكان تحت وحول خط الفقر إلى قرابة 40%،
فلا مجال للحديث عن اقتصاد السوق دون عدالة اجتماعية.
وفى تقديرى أن القراءة المتأنية لبرامج الأحزاب الثلاثة تقول بوجود تقارب كبير فى الرؤى
فى مختلف المجالات، أقلها بالطبع البرنامج الاقتصادى، لكن الاختلافات هنا قابلة للجسر،
بمعنى أن هناك فرصة كبيرة فى التوصل إلى صيغ توافقية مشتركة بين الأحزاب المعنية
عبر اعتماد مبدأ اقتصاد السوق، إضافة إلى العدالة الاجتماعية.
ويبقى هنا التأكيد أن اندماج هذه الأحزاب الثلاثة معا بات مصلحة وطنية لترسيخ وجود قوى
للأحزاب المدنية فى الساحة السياسية المصرية، ومن ثم لا بد من تجاوز قضايا الخلاف التفصيلية
حول أفكار وبرامج يمكن التوصل إلى قواسم مشتركة حولها من ناحية، وتجاوز الحسابات الشخصية
الضيقة لبعض رموز هذه الأحزاب، والتى أرى أنها مسؤولة عن تأخير التوصل إلى التوافق،
فإذا تم الاندماج بين هذه الأحزاب فأحسب أنه سيكون مصلحة كبرى لمصر من ناحية،
كما أن ما يمكن أن تحصل عليه هذه الأحزاب من حصة فى البرلمان وربما تشكيل الحكومة
عبر الائتلاف مع أحزاب مدنية أخرى، سوف يوفر مواقع قيادية عديدة تستوعب
رموز وقادة هذه الأحزاب. ويبدو واضحا أن إتمام اندماج أحزاب المصرى الديمقراطى الاجتماعى،
والدستور والمصريين الأحرار يمثل بارقة أمل للمصريين بأن ما أقدموا عليه فى الثلاثين من يونيو
قد بدأ يؤتى ثماره، وأن أخطاء وخطايا التيار المدنى فى الانتخابات السابقة لن تتكرر.
وبعد إنجاز هذا الاندماج يمكن التحرك باتجاه استيعاب عدد من الأحزاب الصغيرة التى تدور حول أشخاص،
وبعدها يمكن التفكير فى تشكيل تحالف انتخابى مع أحزاب مدنية موجودة بقوة على الساحة السياسية
مثل الوفد، وفى تقديرى أن إتمام اندماج الأحزاب الثلاثة والنجاح فى تشكيل ائتلاف انتخابى مع حزب الوفد
يعنى زيادة فرص هذا الائتلاف فى حصد غالبية مقعد البرلمان القادم، ومن ثم تشكيل الحكومة الجديدة
وبذلك يمكننا القول إن مصر عادت إلى أهلها وبدأت تخطو خطوات حقيقية
على طريق تطوير نموذج ديمقراطى حقيقى.