08.16.2013
كمال مغيث
لا أظن أن هناك مجالا لترقيع دستور الإخوان، فكلنا شهد على الهواء فضيحة إخراجه بعد منتصف الليل،
وكأنهم يسرعون بالتخلص من جثة نتنة، ولا يمكن لأحد فصل الدستور عن عمليات إخراجه،
حيث غابت الكنائس الثلاث كما غاب التيار المدنى، ونعرف أن أبو العلا ماضى وعصام سلطان قيد السجن
وفى الطريق إليه أحمد فهمى والغريانى فى تهمة إهدار الملايين، وفى الطريق أيضا محسوب والبلتاجى
وجمال حشمت وعصام العريان.. وغيرهم، وبالطبع لا يليق ببلدنا أن يحكمنا دستور نصف واضعيه محبوسون
على ذمة قضايا مخلة بالشرف وأموال وتخابر وإرهاب.
ولقد اهتمت الدساتير المصرية منذ دستور 1923، بقضية التعليم من زوايا مختلفة.
والذى يعنينى هنا هو ما يتعلق بقومية التعليم فى الدستور الجديد، فالتعليم اليوم يعانى مشكلات حقيقية
ومزمنة من تدهور الكفاءة والجودة وتخلف المقررات والمناهج وانخفاض الميزانية وعدم رضا المعلمين عن مكانتهم
ومهنتهم وانهيار نقابة المعلمين وعجزها عن القيام بأى دور مهنى للنهوض بالتعليم.
وقد تجاهل الدستور الإخوانى غير المأسوف عليه كل تلك القضايا، وراح يتحدث عن جودة التعليم
دون تحديد لمعنى تلك الجودة والعناية بالتعليم الفنى وتشجيعه (مادة 58)، وراح ذلك الدستور يحارب فى التعليم
معارك تافهة ورجعية كالنص على «تعريب التعليم والعلوم والمعارف» (مادة 12) وتدريس اللغة العربية
وتدريس القيم والأخلاق فى الجامعات (مادة 60).
وكأن الأمر كان مبيتا بالليل، فقد راحت حكومة مرسى وعشيرته، وفى ظل ولاية الوزير إبراهيم غنيم لوزارة التعليم،
تسعى بكل حماس وعجلة للسيطرة على التعليم، فسرعان ما امتلأت الوزارة بالمستشارين الإخوان
وفتح غنيم المدارس أمام حزب الحرية والعدالة ليشرف على العملية التعليمية ويستخدمها فى خدمة سياساته
وانتخاباته، وسعى إلى العبث بالهيكل الإدارى لجميع المدارس، بإعادة جميع المديرين للتدريس ليحل محلهم
المديرون من الإخوان، وراحت تعيد دروس أهل الذمة من كهوف التاريخ، وإذ أرجو وزير التعليم
أن يلغى كل تلك القرارات ويطهر الوزارة بالكامل من عبث الإخوان،
فإننى أرجو أن يصون الدستور الجديد قومية المؤسسات التعليمية.
ولقد نشأت المدرسة الحديثة من أجل القومية والمواطنة بالأساس،
ففى مجتمع قديم مثل مجتمعنا
يتميز بالتنوع الشديد بين جماعاته وسكانه، فهناك المسلمون وهناك المسيحيون على اختلاف طوائفهم
وهناك سكان القرى والكفور وسكان المدن والأغنياء والفقراء، وثقافات تتنوع قدر اتساع الوطن،
ولأن كل الفئات المتنوعة لها مثلها وقيمها وخلفيتها الثقافية والاجتماعية. هنا تقوم المدرسة على الجمع
بين أبناء تلك الفئات المتنوعة والمختلفة فى مدرسة ذات توجه وطنى واحد وفى فصل واحد وعلى مقعد دراسة واحد
ومقرر دراسى واحد وامتحان ومعلم معد إعدادا وطنيا واحدا، ليعرفوا لغتهم الوطنية وشعراءهم وأدباءهم
الوطنيين وجغرافيتهم وتاريخهم الوطنى ومعارك شعبهم فى سبيل الحرية والبناء،
وهكذا يتكون لدى أبنائنا وعى وقيم ومثل عليا مشتركة تكون أساسا لانتماء وطنى يصبح هو الانتماء الأساسى
ويتحول الانتماء الدينى أو الطائفى أو الطبقى أو غيرها إلى انتماء ثانوى.
فى الحقيقة إنه عندما يرسل الناس أبناءهم للمدرسة فإنهم لا يرسلونهم لكى يصبحوا من الإخوان المسلمين
أو الناصريين أو الماركسيين أو غير هذا من انتماء سياسى أو أيديولوجى وإنما من أجل العلم
ومن أجل الاهتمام بالشأن العام، ويظل الاختيار السياسى شأنا خاصا لأبنائنا يقررونه مع أهلهم وذويهم.
ويظل للأحزاب السياسية فى مقارها وبعيدا عن مدارسنا الوطنية الحق فى الدعوة لأفكارها
بتأسيس مدارسها الأيديولوجية للطلائع والأشبال والكوادر
ما دامت التزمت بالقانون وعدم الدعوة للعنف أو للكراهية والتمييز.
فهل يلتفت أعضاء الجمعية التأسيسية إلى ضرورة وضع نص بالدستور يحمى قومية مؤسساتنا التعليمية
من هيمنة وافتئات أى أغلبية طائفية أو سياسية أو أيديولوجية عليه لكى تظل المدرسة قلعة للمواطنة
ويظل التعليم أساسا للتماسك والانتماء الوطنى.
ويبقى بعد هذا ضرورة أن يشترك من يمثل المؤسسة التعليمية فى لجنة وضع الدستور،
فالتعليم هو المستقل،
وينبغى أن ننظر إليه باعتباره أهم الأنشطة الوطنية، فعلى هذا التعليم سيتوقف حال الصناعة والزراعة
والصحة والسياحة والسياسة وغيرها،
فضلا عن أن أكثر من 20% من السكان تنخرط فى هذا النشاط،
فلدينا 20 مليون طالب فى مختلف مؤسسات التعليم ومراحله، ونحو 2 مليون معلم وإدارى،
وأظن أن هؤلاء بحاجة إلى وجود قوى فى لجنة الدستور لا سعيا وراء مطالب مهنية
أو فئوية وإنما من أجل الوطن والمستقبل.