08.03.2013
سليمان شفيق
بدأت أحزاب (المصرى الديمقراطى، المصريين الأحرار، الدستور، العدل، الجبهة) فى الحوار الداخلى،
وفيما بينها حول «الاندماج»، وباستثناء حزب الجبهة، الأحزاب الأربعة،
تأسست بعد ثورة 25 يناير 2011، وهو حدث لو تحقق يعد الأول فى تاريخ مصر،
ومن ثم فهو ليس ملك أعضاء تلك الأحزاب.. بل ملك للرأى العام، لأن نجاحه أو فشله
سوف يكون له أبلغ الأثر على الحياة السياسية المصرية، والدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة،
وإذا بدأنا بذكر الفرص التى تحقق ذلك الحلم فهى تتركز فى أن توجهات الأحزاب الخمسة
ترتكز على الحداثة والديمقراطية، ويؤهلها لذلك معطيات ما حدث فى 30 يونيو 2013،
أعنى خروج 33 مليون مصرى ضد الحكم الدينى الإخوانى، ما يؤكد أن المصريين من مختلف الطبقات
والأعمار والخبرات والأديان مع الدولة المدنية والعلمانية الحديثة، وكذلك نزوع الإخوان للعنف
والرغبات الانتحارية، ما يعنى انسحابهم من الحياة السياسية بشكل «أيديولوجى وطوعى»،
أيضاً يكلل تلك الفرص موقف القوات المسلحة الحامى للشعب.
إذا تركنا الفرص وتوقفنا أمام التحديات، نبدأ بالتحديات الذاتية الداخلية:
وهى تبدأ كون هذه الأحزاب قليلة الخبرة، وحتى حزب الجبهة يحمل من الخبرات السلبية الكثير،
حيث انسحب منه وانشق عنه فى سنواته القليلة العديد من الشخصيات العامة لأسباب مختلفة
لو تم تحليلها، سنجد أن «الجبهة» فقد رؤيته، إلا أن مشاركة نفر من شبابه فى ثورة 25 يناير
منحته قبلة الحياة، ولذلك تشكل له فكرة الاندماج طوق نجاة، حزب العدل أيضاً مر بانشقاقات وخلافات
عمقت الأزمة الداخلية به، ولذلك لا بد له من اللحاق بقطار الاندماج، ثالث الأزمات يعانى منها
حزب الدستور، د.محمد البرادعى «المعادل الموضوعى» والرمز الذى تجمع حوله شباب الحزب
غادره إلى سدة الرئاسة، والانشقاقات والصراعات بين شباب الحزب الثورى والقيادات
تؤهل الحزب الاندماجى لمزيد من الصراعات، أى تصدير الصراعات من الدستور إلى «المندمج»،
قبل أن ننتقل إلى الحزبين الأخيرين، ننوه إلى أنه باستثناء المصريين الأحرار والمصرى الديمقراطى،
فإن الأحزاب الثلاثة السابق الحديث عن أزماتها ليس هناك أى معايير للديمقراطية الداخلية،
لأنها لم تعقد مؤتمراتها وقياداتها لا تملك شرعية تمثيلية، فى حين أن المصريين الأحرار،
والمصرى الديمقراطى، قياداتهما منتخبة، ومؤهلة ديمقراطيا للحديث باسم باقى أعضاء الحزب.
نتوقف أمام التحديات الخاصة بالمصريين الأحرار، الحقيقة أن الحزب ارتبط بالمهندس نجيب ساويرس،
الأب الروحى للحزب، ولست فى حاجة للحديث عن الدور الوطنى والاجتماعى لعائلة ساويرس،
إلا أن الحزب تشكل بما يشبه جماعات الضغط التى ترتبط برجال الأعمال والاقتصاديين فى العالم،
ولذلك غلب على مكوناته بعض «النفعيين» «والطائفيين» الأمر الذى يهدد ذلك التجمع
بعدم التجانس سياسيا وفكريا مع الإطار الجديد، ناهيك عن ارتباط الحزب بشخص مؤسسه الأمر
الذى سوف يعرضه للتفكك لو غاب الأب الروحى له.
مع كامل احترامى للأحزاب الأربعة، فإن الحزب بمعناه الحقيقى أيديولوجياً واجتماعياً
هو الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، له أيديولوجية أو فكر: «الديمقراطية الاجتماعية»،
ويضم فى صفوفه، مناضلين، رجال دولة، شبابا ثوريا، ولكنه حزب «فقير» اقتصاديا،
ولذلك نقطة القوة فى المصريين الأحرار هى نقطة الضعف فى المصرى الديمقراطى،
ولذلك قد يشكل ذلك تكاملا بين الحزبين، لو تحدثنا عن الفرص،
وبذات القدر يشكل صراعا لعدم التكافؤ إذا تحدثنا عن المخاطر.
وهناك تحدٍ أخير للحزبين، وبدون دواعى الحرج فإن هناك كتلة رئيسية من عضوية الحزبين
من المواطنين المصريين الأقباط، الذين لم يتأهلوا بعد للعمل الحزبى، وما زالت توجهات أغلبيتهم «دينية»،
كل تلك التحديات يجب الانتباه لها، والتوقف أمامها حتى لا تؤدى إلى إفشال المشروع
قبل تشكله جنينيا أو بعد ولادته، أو ولادته مبتسرا.
إذا انتقلنا إلى الظروف الموضوعية: نبدأ بالسؤال:
ترى ما الأسباب الموضوعية التى دفعت الأحزاب الخمسة للاندماج؟
وفق ما توافر من معلومات منشورة، أو متداولة، بين قيادات تلك الأحزاب، فهناك عدة أسباب مثل:
تكوين حزب مدنى كبير لمواجهة التيار الإسلامى، وعلى وجاهة ذلك العامل، هل يكفى «مشروع الضد»
لتكوين مشروع كبير مثل ذلك؟ ولماذا لا تتشكل جبهة انتخابية وليس حزبا؟
التكامل السياسى والاقتصادى بين الأحزاب الخمسة، والسؤال:
هل هذه الأسباب تؤدى لنجاح مشروع سياسى؟ أم شركة مساهمة؟
الدولة الجديدة، والمجلس العسكرى يريد أن يستبدل الإخوان المسلمين بالإخوان المدنيين.
كل تلك الأسباب تجعلنا نتساءل حول جدل العلاقة بين فكر الأزمة التى يمر بها الوطن،
والفراغ المجتمعى الذى تركه انسحاب تيارات الإسلام السياسى، وبروز احتياج موضوعى لملء ذلك الفراغ؟
إذا كان الأمر كذلك فلماذا الاندماج؟ نشكل تحالفا انتخابيا!!
كل تلك المؤشرات تدفعنا لمناقشة جدوى تشكيل أغلب تلك الأحزاب، وسرعة تعرضها للأزمات،
واندفاعها للاندماج، دون حوار جدى ومجتمعى، لأن اللافت للنظر والجدير بالمناقشة
أن ثورتى 25 يناير و30 يونيو لم يقم بهما أحزاب بل حركات مثل (كفاية و6 أبريل وتمرد)،
وحتى ثورة 1919 قامت بها الجماهير الشعبية دفاعا عن «الوفد» الذى سرعان ما تحول
إلى حزب بطريقة غير موضوعية ولا مبدئية، فانشق إلى أكثر من مكون، وارتد إلى مكوناته الأساسية،
وانتكست الثورة، وقتل وجرح على يد رفاق الثورة (إسماعيل صدقى ومحمد محمود)
أكثر من الضحايا التى سقطت بسلاح المحتلين البريطانيين،
فهل نموذج الحزب هو الأمثل للحركة الوطنية المصرية؟
كل تلك التساؤلات يجب التوقف أمامها، خاصة أن المصريين ثاروا (11) مرة فى مائتى عام
(1804، 1882، 1919، 1952، 2011، 2013)،
وانتفاضات فى (1930، 1946، 1968، 1972، 1977)
ورغم ذلك لم تكتمل ثورة أو انتفاضة، ما يؤكد أن الخلل ليس فى الشعب بل فى النخب.