08.21.2013
عمر طاهر
يتسلل لص إلى جراج العمارة، يضبطه البواب، يتجمع السكان وينهالوا عليه ضربًا حتى يكاد أن يموت،
يتدخّل شخص ما يوقن جيدًا أنكم تمسكون بلص ويتفق معكم تمامًا فى أنه يستحق العقاب،
لكنه يتدخل لإنقاذه من الموت على يد السكان، لإيمانه بأن ما تقومون به ليس هو العقاب الأمثل،
وأنه من الأفضل للجميع أن يتلقى اللص عقابه على يد العدالة،
حضرتك كنت هذا الشخص المنقذ مرة واحدة على الأقل فى حياتك، فما الذى غيّرك؟
اليوم أنت تكره كل مَن يطالب بمراعاة الإنسانية فى المعركة ويستنكر أرقام القتلى التى نسمعها كل يوم،
وتنفيه وتقصيه وتتمنى لو أنه تلقى هو أيضًا رصاصة تخرس صوته إلى الأبد،
لا تعرف حضرتك أنك تخل بالتوازن البيئى بما يقودنا إلى كارثة.
والتوازن البيئى هو بقاء مكونات وعناصر الطبيعة على حالها، وعندما تنفى عنصرًا أو تقهره أو تقضى عليه،
فأنت تمحو دوره اللازم لاستمرار الحياة على نحو أمثل، وبالقضاء على شخص يرعى قيمة إنسانية ما
ستنتج البيئة بدلًا منه أشخاصًا مشوّهين، عندما اشتكى المزارعون الأمريكيون فى إحدى السنوات من التوتر
الذى يثيره الصقور وإزعاج حيوانات المزرعة، فقامت حملة استمرت عام تم خلالها
التخلص من 125 ألف طائر، فما الذى حدث؟ كانت الصقور تتغذّى بالأساس على الفئران،
ومع اختفائها انتشرت الفئران بصورة جسيمة وأحدثت خسائر أشد جسامة بالمزروعات ومزارع الدجاج.
هل نحن فى حرب؟
طبعًا وبكل تأكيد نحن نخوض حربًا ضد مَن اختار أن يطلق النار على المصريين فى عز ظهر شوارع القاهرة،
لكن حتى الحرب على مستوى العالم كله تضم فى قواعدها قدرًا من القيم الإنسانية التى يضمن تحقيقها
منظمات وهيئات دولية، قواعد تعطيك حق منازلة المسلحين والقضاء عليهم
وتمنعك عن التورط فى ما يتجاوز ذلك.
هل الكلام عن القيم الإنسانية يضعف عزيمة المحاربين؟
بالعكس، الكلام عنها يجعل الانتصار شريفًا ويجعله مصدرًا لسعادة حقيقية،
فى ما عدا ذلك تصبح سمعة الانتصار رديئة ولا تدعو للفخر أبدًا.
هل الكلام عن القيم الإنسانية سيشكّل فارقًا؟
بكل تأكيد، على الأقل ستفتح خط الرجوع أمام مَن ضلّوا الطريق، أنت تطالب السلميين من الإخوان وأنصارهم
أن يخرجوا من المسيرات التى يوجد بها مسلحون، طيب.. سيخرج ليجد المجتمع كله قد أعدّ له كمينًا جديدًا
نراه الآن فى كل مكان فى الشارع وعلى الإنترنت، سينجو من اغتيال بالرصاص ليدخل فى دوامة
اغتيال معنوى، طيب هو كده كده ميت فمش فارقة بقى، لكن عندما يجد أن الدعوة للتسامح والمصالحة
والعودة إلى صفوف المصريين دعوة مجتمع وليست طنطنة حكومة
وإعلام سيلتقط أنفاسه ويشعر بأمان يجعله يعيد حساباته.
طيب هل تعتقد أن الكلام عن الإنسانيات ينطوى على نيّات خبيثة؟
الله أعلم بالنيّات، لكن الحد الأدنى الذى يراه الواحد هو أن هذه الدعوات لا تنطلق من أرضيات
شبه «عصر اللمون» أو «مش إخوان بس باحترمهم»، لسنا فى محيط انتخابات أو معارك سياسية،
وكلامى كله بعيد تمامًا عن السياسة، نحن بصدد محاولة لملمة لأشلاء المجتمع،
ثم إن القيم تلك تخدم حفاظ المجتمع على فطرته، حتى لو كنت ترى رعاة هذه الأفكار حمقى
أو يغرقون فى مثالية كاذبة أو بالبلدى (نحانيح) أو خلايا نائمة، فى النهاية ما يهمك هو القيمة
التى يحرسونها، والتى لن نحتاجها للتعامل مع جماعة أو حزب، ولكن للتعامل مع جارٍ ملتح بدأ الجيران
يتجنبونه أو ابن عم ضابط شرطة سيعيش طول الوقت فى انتظار الانتقام
أو جيل سيكبر ليجنى ثمار كراهية لم يزرعها.
هل توجّه كلامك هذا إلى الجيش؟
هذا الكلام لا علاقة له بالجيش، بل يخصنا نحن كشعب، ستنتهى المعركة الحقيقية ضد الإرهاب آجلًا أم عاجلًا
وسيرحل قادتها من الطرفين وسنظل نحن فى وجوه بعضنا البعض، وقتها ستدرك أن المصالحة والتعايش
هما أكثر ما يشبهنا كمصريين، لكنك عند الوصول إلى هذه اللحظة ستكتشف أنك لم تقدّم أى أمارة،
بل إنك أصدرت حكمًا بالإعدام على مَن يتحدّث عن الإنسانيات، طيب على الأقل سيبه يتكلم
مش مطلوب منك أكتر من كده.. فقط لا تذبحه و(سيبه يتكلم)، لأن كلامه استثمار للحظة مستقبلية.
هل أفهم من ذلك أنك تدافع عن الإخوان؟
أرجوك سيب المقال وادخل على صفحة الرياضة تابع فضايح الزمالك أحسن.
مهما كنت كارهًا لدعاة القيم التى نتحدث عنها، لا بد أن تحمد الله على نعمة التوازن البيئى،
وأن تتأمل نعمة وجود أشخاص يعيشون حولك يؤمنون بهذه الأفكار التى ترفضها حاليًا،
على الرغم من أننى أوقن تمامًا أن رفضك لها انفعالى، بدليل أنك تسح دموعًا كلما رأيت مشهد
ضابط القوات الخاصة وهو يقبل رأس الأم الإخوانية بعد أن أخرجها من مسجد الفتح وأخذ يرجوها
أن تشرب بعض الماء لتبل ريقها ويعدها بأنه سيحضر لها ابنها، يؤثر فيك المشهد
لأن هذه القيمة مستقرة بداخلك، ولأنها قيمنا الحقيقية التى أخفاها التشويش، بل إن مثل هذه القيم
هى التى دعتك لرفض حكم الإخوان لما ينطوى عليه أسلوب قادتهم من صلف وغرور وسحل وقتل
وتلطيش واستهتار بالأرواح ودراما عشناها سويًّا على مدى سنة.
أنت حر تمامًا فى تقييمك للموقف، لكن ساعد نفسك والآخرين فى تحاشى الإخلال بالتوازن البيئى
فتدخلنا فى مرحلة (الجفاف)، حر فى وجهة نظرك السياسية، لكنك لست حرًّا فى أن تمحى من المجتمع
تمامًا أفكارًا تنطوى على قدر من الإنسانية، أفكارًا أقسم لك أنك ستحتاج إليها قريبًا جدًّا
وساعتها قد تفتش عنها فلا تجد سوى الفئران.