خالد البرى
08.30.2013
فى مقال عن هيبة الدولة فى جريدة «الشروق»، أحصيت لكاتبه، د. خالد فهمى، ١٨ ذِكْرًا لمحمد على،
مؤسس الدولة الوطنية الحديثة. الإشارة إلى محمد علِى سببها معروف. أنه مؤسس الدولة المصرية الحديثة.
ومؤسس الجيش المصرى. أول جيش مصرى منذ احتلال عمرو بن العاص لمصر. لكن يبقى أن هذا عدد كبير
فى مقال متوسط الحجم فى جريدة يومية، يناقش -لاحظى- قضية حالية. خالد فهمى يشير إلى أن هذا الجيش
بدأ عهده بالقضاء على تمرد راح ضحيته ٣ آلاف مواطن مصرى. ليس غرضى من مقالى مناقشة ما ورد
فى مقال خالد فهمى. بل غرضى لفت النظر إلى مشكلة لدى القوى المدنية فى التعامل
مع القضايا السياسية. وهذا المقال مثال واضح.
الأصولية داء مجتمعى، ليس فى مصر وحدها، بل فى كل المجتمعات التى تعتمد أسلوب الحفظ والتسميع.
وهو النسخة المدينية لأسلوب السمع والطاعة الدينى العائلى العشائرى القبلى القروى.
الأصوليون الدينيون بنوا تعاملهم مع الإنسان على قصة الخطيئة الأصلية، التى يجب أن ينشغل البشر بالتكفير عنها،
ما بقوا. أو على قصة العهد الأزلى الذى أخذه الرب من خلقه، والذى على البشر أن يلتزموا به. الأصوليون المدينيون
يفعلون شيئا شبيها بهذا فى السياسة. تجنّب الحوار الجاد، الموضوعى، بالإيحاء بأن لكل شىء جوهرا.
فاسدا أو صالحا. كما للإنسان جوهر، شقى أو سعيد، مكتوب فى اللوح المحفوظ. والمقصد الذى وصلنى
من استشهاد خالد فهمى بفترة محمد على بهذه الكثافة هو الإيحاء بأن ما بدأ عهده بالبطلان فهو باطل.
بغض النظر عن تطور دوره، صعودا وهبوطا، إيجابا وسلبا. وهذا يشبه تماما الشيخ المتدين الذى يحرّم
استخدام شرائط الفيديو لأنها ظهرت أول ما ظهرت باجتهاد من «صناعة البورنو».
غير ملتفت إلى حقيقة أن هذا لا يعنينى كفرد.
مرة أخرى، ليس غرضى انتقاد فكرة تدخل المؤسسة العسكرية أو مدحها. إنما أناقش أسلوبنا -كقوى مدينية-
فى الجدل حول الموضوع. أخطاء تدخل المؤسسة العسكرية فى السياسة كثيرة جدا.
وتأثير نفوذ المؤسسة العسكرية على المسار المجتمعى منذ ١٩٥٢ ملىء بالسلبيات. لكن أن نترك هذا كله.
ونترك الحديث عن الأزمة الحالية التى تهمنا، والتى المؤسسة العسكرية، والتيار الفاشى الدينى،
طرفان فيها، ونعود لنبحث فى ظروف نشأة المؤسسة العسكرية لكى ننتقدها فهذا أسلوب «أصولى».
وهذا مجرد مَثلٍ ضَربْتُه لأشير إلى مشكلة عويصة، عميقة، متشعبة، ثقافية واجتماعية وسياسية،
موجودة لدى القوى المدينية. القوى المدينية المصرية صارت قوى أصولية مراجعها ليست كتب الدين،
وبيروقراطية مراجعها ليست تكليفات الوزارة. ولكن نمط تفكيرها نفس النمط. تفضل النصوص المنقولة
على الاجتهاد. وتبجّل مَن يعرفون معلومات أكثر، ومن يحفظون لوائح أكثر. وتخاف معصية الكتالوج خوفا مَرَضيًّا،
غير مدركة أن خوفها ذاك هو أكبر معطل لنفسها ولمجتمعها ولمصالح الناس. والأهم أنها لا تدرك
أن الاختيار الصائب لا بد أن يُبنى على معلومات حالية، معلومات عن الموديل الحالى،
وليس عن موديل ١٨١١، ولا حتى عن موديل السنة الماضية.
السياسة تتغير من يوم إلى يوم، من شهر إلى شهر. ولو استمررنا فى معايرة كل فصيل
بـ«نقطة سوداء» فى تاريخه، ولو استمررنا فى مدح نموذج بسبب «نقطة ذهبية»
فى تاريخه، فهل هذا إلا جوهر الأصولية؟
الأصولية السياسية، ليست داء عارضا، ولا تافها. بل إنها أسلوب فى التفكير صار يفقد القوى المدينية
مجالات المناورة. نحن لا نتحالف مع القوى المدينية داخل نظام مبارك لأنها من «نظام مبارك الفاسد»،
ولا نتحالف مع من انتمى سابقا إلى الحزب الوطنى. ولا نتحالف مع المؤسسة العسكرية لأننا «مدينيون».
وبالتالى لا يتبقى لنا إلا الإخوان وذيولهم. حتى إن لم نتحالف معهم، لا يهمهم، سنكون قد ساعدناهم بخوض معاركهم،
ومحاربة خصومهم. كما فعلنا فى كل الفترة السابقة لتولى محمد مرسى رئاسة الجمهورية.
لقد صرنا نجيد الاشتباك ولا نجيد التعاون. نجيد الهدم ولا نجيد البناء. ونحن فى ذلك أكثر «أصولية سياسية»
من الإخوان أنفسهم، ومن غيرهم من الأصوليين الدينيين.