06.25.2013
محمود عبد الشكور
.. طيب بذمتكم كيف كان يمكن أن يتأكد الناس مما كنا نقوله ونكتبه عن انتهازية الإخوان
إذا لم يصلوا إلى الحكم؟ طبعا حصاد التجربة مؤلم ومدمر رغم شهور السلطة القليلة،
ولكنها فعلا أيام كاشفة، السلطة هى التى تفضح المواقف والاتجاهات، لو كان هناك شىء إيجابى
فى هذا العك الذى قاده مرسى والإخوان باسم وتحت مظلة الثورة، فهو ظهور جزء
من التنظيم الغامض إلى النور، وسقوط كل الملابس قطعة قطعة، إستربتيز غير مسبوق للفشل
والعُرى السياسى، لا حجة الآن لمن لم يقرأ عن الإخوان، فقد شاهدهم، وذاق بعضا من مرارتهم.
لمست عن قرب هذه «الفضيلة» لحكم الإخوان، وأنا أستمع فى الأيام الأخيرة لطوفان من التعبير الشعبى
العفوى عن كراهيتهم، فى موقف السيارات، يرى أحد السائقين رجلا ملتحيا ببدلة أنيقة، يقترب الرجل
من سيارة ميكروباص فى طور التحميل، يهتف السائق مصفقا بيديه بدون مقدمات،
على طريقة التجريس الشعبية: «الإخوان كدّابين.. الإخوان كدّابين»، يلتفت الملتحى إلى الخلف مرتبكا،
يبتسم ابتسامة لزجة أصبحت من علامات المرحلة، يقول للسائق هامسا إنه ليس إخوانيا،
يضحك السائقون، يصافحهم الرجل متزلفا، بدا كما لو أنهم لا يصدقونه رغم نبرة الصدق فى كلامه،
خلاص، لم تعد اللحية عنوانا للصدق، أغلب الظن أن الناس أصبحت تتوجس منها، إلى أن يثبت العكس.
فى الأوتوبيس، ودون أى مقدمات، ينفجر صوت رجل عجوز لاعنا حكم الإخوان، يعود من جديد
إلى استخدام لفظ الكذّابين، يقول إنه عاصر أيام الملك، ويعرف سوابقهم من أيام النقراشى،
الرجل يتكلم بحرقة، يجاوبه فى مقدمة الأوتوبيس رجل آخر أربعينى، يمسك كرتونة تحزّمها الحبال،
يصرخ مؤيدا ولاعنا أكاذيب المئة يوم، يقول إنه افتتح ورشته فى عهد حسنى مبارك،
وأغلقها فى عهد محمد مرسى «بتاع ربنا».
ربما يكون أحدهم قد انخدع ومنح صوته لمرسى، ولكن اللافت أن الثلاثة من فئات متباينة،
ومن الواضح من اختلاف طرائقهم فى التعبير بالكلمات، ما بين السباب الصريح،
والانتقاد بالفصحى الرصينة، أنهم أيضا من مستويات ثقافية وتعليمية واقتصادية مختلفة،
ولكن المؤكد أنهم ما كانوا سيعرفون الإخوان حقا إلا بعد التجربة المباشرة فى الحكم البائس.
الذين عرفوا الإخوان فى انتخابات النقابات واتحادات الطلبة لمسوا بالطبع انتهازيتهم السياسية،
التى لا علاقة لها بالدين، هم على استعداد للتحالف مع الشيطان نفسه للفوز بأى مقعد،
ولكن المواطن البسيط رأى بعينه هذا السلوك على نطاق دولة بأكملها فى عصر الإخوان،
كنا نتحدث عن جشع الإخوان وإقصائهم للجميع، فشاهد الناس درسا عمليا لأكذوبة
شعار «مشاركة لا مغالبة».. حركة المحافظين نموذجا.
رأى الناس تصريحات الإخوان قبل ساعات من تنحى مبارك،
وهم يؤكدون أنهم لن يكون لهم أى مرشح للرئاسة، ثم أصبح لهم مرشحان:
واحد أصلى والثانى إستبن، شاهد الناس الإخوان وهم يقفزون بنسبة مشاركتهم فى انتخابات البرلمان
لتصل من 25% إلى 100%، عندما أراد إخوان سوريا أن يلعبوا نفس اللعبة،
أعلنوا أنهم لن ينافسوا على السلطة إذا سقط بشار،
فضحك العالم كله، قال لهم «كفاية كدب.. العبوا غيرها».
كنا نقول إن الإخوان جماعة سياسية تستخدم الدين، فلما وصلوا إلى السلطة، شاهد الناس حماسهم
لإتمام أكبر قرض بفائدة ربوية واضحة، ورأوا رفضهم لعرض مشروع الصكوك
على هيئة كبار العلماء بالأزهر وفقا لنص الدستور الذى وضعوه بأنفسهم، وتعجب الناس
وهم يقرؤون أن الكباريهات فى عهد الإخوان حصلت على تصاريح بسنوات أكثر من عهد مبارك،
وبدلا من الزحف إلى القدس بالملايين، لتحريرها من أحفاد القردة والخنازير، كما وصفهم محمد مرسى،
أصبح الزحف باتجاه واشنطن، وتحوّل شيمون بيريز إلى صديق وحبيب، وما خفى كان أعظم.
نشف ريقنا ونحن نثبت بالدليل القاطع أن جماعات العنف والإرهاب المتقنعة خلف ستار الدين،
ليست سوى التجلى الأحدث لما غرسه الإخوان، التنويعة الأكثر شراسة على نفس النغمة الفاسدة،
التى تحصر المسلمين فى جماعة، والتى تزعم أنها تمتلك برنامجا إصلاحيا، كتبنا كثيرا أن كل تيارات
التأسلم السياسى العنيفة خرجت من عباءة الإخوان، وعندما حكموا، رأى الناس بما لا يدع مجالا للشك،
كيف يقيد الإخوان أى جهد حقيقى لتطهير سيناء من الإرهابيين المتأسلمين، وشاهد الجميع كيف تحول
الإرهابيون السابقون إلى جنود احتياط للجماعة، تستخدمهم
لإرهاب معارضيهم من التيار المدنى ومن الأقباط.
كنا نشكك فى مواقف الإخوان ضد نظام مبارك، نرتاب فى نواياهم، فلما حكموا عرف الناس
أنهم تظاهروا فى عصر المخلوع ليس دفاعا عن استقلال القضاء، ولكن رغبة فى أخونة القضاء،
شاهد الناس عند أول اختبار كيف عصف الإخوان بالقانون والدستور،
وكيف يهللون لسجن خصومهم ومطاردتهم، تماما مثلما فعل معهم نظام مبارك، ظلت صورة الإخوانى
عند الكثيرين متجسدة فى صورة شخص هادئ، وديع، متسامح، يتقبل الاضطهاد باعتباره ابتلاء يؤجر عليه،
فلما أصبح لهم مندوب فى قصر الاتحادية، شاهد الناس شباب الإخوان وهم يعذبون المعتصمين،
ويلتقطون صور التعذيب، ثم يوفر لهم النظام غطاء قانونيا، فلا تتم محاكمة المجرمين حتى اليوم.
كنا نقول إن الجماعة التى لم تفرز فنانا كبيرا، أو أديبا مرموقا، أو عالما يفوز بجائزة نوبل،
أو حتى قارئا عبقريا للقرآن، لا يمكن أن تمتلك كفاءات تدير دولة بحجم مصر، فلما حكموا،
شاهد الناس التخبط والفوضى كما لم يحدث فى تاريخ الدولة المصرية العتيدة.
شكرا للظروف التى جعلت الإخوان فى السلطة، فكشفت المستور، وشكرا لتجربة الإخوان،
لأنها أثبتت للناس أن التعرى ليس فى الأجساد فقط، ولكنه فى المواقف والسلوك والأخلاقيات،
ويا له من «إستربتيز» فى زمن حراس الفضيلة المزعومين.