أنا شاب عمرى 28 سنة، خريج كلية نظرية، بتقدير مقبول، أهلى بسطاء جدا، والدتى غير متعلمة
ووالدى كان يعمل بشهادة الثانوية العامة، لى أخوان أحدهما يعمل سائق تاكسى
والآخر لا زال يبحث عن وظيفة، باختصار ظروفى كلها تحت المتوسط بكثير،
إلا أن الحظ ابتسم لى أخيرا وجاءتنى فرصة عمل بإحدى الدول الأوروبية منذ عامين تقريبا،
سافرت وكلى أمل فى أن أغير من حياتى تماما، وأنقل نفسى وأسرتى إلى مستوى راقى ومحترم
طالما حلمت به كثيرا، عملى متواضع بعض الشىء، لكنه يدر على دخل معقول جدا يكفينى
ويسمح بتخصيص راتب شهرى لأسرتى فى مصر والحمد لله.
أما عن حياتى العاطفية، فأنا لم أجرب الحب إلا مرة واحدة فقط، كانت زميلتى فى الكلية،
وكانت من مستوى اجتماعى أعلى، لهذا فقد قالتها لى صراحة بعد عدة شهور من الارتباط العاطفى بيننا،
قالت لى أن والدها لن يوافق على شاب بمثل ظروفى، وأنه تقدم لها عريس أسرتها تراه ممتاز ومناسب،
وأنها لن تستطيع الوقوف أمام أهلها، وسرعان ما تمت خطوبتها ونسيتنى تماما
وكأن شيئا لم يكن، لن أقول لك أنى أصبحت معقدًا من يومها، ولكنى وبمنتهى الصراحة تعاظم بداخلى
الإحساس بالنقص، وبأنى أقل من كثير من زملائى، الأمر الذى كنت دوما أشعر به،
ولكنه زاد الأضعاف بعد هذه التجربة.
بعد سفرى للخارج كنت أتواصل مع بعض زملائى وأصدقائى فى مصر عن طريق الفيس بوك،
ومن خلاله تعرفت على إحدى زميلاتنا التى كانت معنا فى نفس الدفعة، ولكننا لم نتحدث وجها لوجه
من قبل، فقط كنا نعرف بعض كأسماء وكوجوه من بعيد لبعيد، تعارفنا وتقاربنا، وأخبرتها بصراحة
أنى أبحث عن عروسة وأنى سأكون سعيد لو قابلتها فى إجازتى القادمة، لأراها وترانى ونتحدث معا،
وإذا حدث بيننا قبول سأقابل والدها فورا لأتمم إجراءات الخطوبة بشكل رسمى، ترددت قليلا
فى الرد على، ثم قالت لى بعد أسبوعين أنها فاتحت أخوها فى الموضوع، وأنه يريد أن يتحدث إلى
ويتعرف على قبل أن نتقابل، فرحبت بالفكرة وقلت فى نفسى إنها دليل على صدق نوايانا نحن الاثنان،
وعلى أنى أيضا أريد دخول البيت من بابه، تحدثت مع أخوها على الفيس بوك مرة، ثم على هاتفه مرة،
وشرحت له كل ظروفى بصراحة، وأخبرته أنى لست مستعدا للزواج على الفور،
ولكنى أخطط لأن تكون الخطوبة سنة ونصف أو سنتان حتى استطيع تجهيز (مقدم) شقة،
لأنى أنوى شراء شقة بالتقسيط وليس كاش، لأنى لا أملك هذا المبلغ الضخم، كما أنى سأظل ملزما
بمساعدة أهلى بذلك المبلغ الشهرى الذى أرسله لهم منذ أن سافرت.
طلب منى أسبوعا مهلة للتفكير، وطلب منى ألا أتحدث مع أخته فى خلال هذه المدة،
فاحترمت رغبته وفعلت... مر أسبوع واثنان، وشهر واثنان وثلاثة ولم يتصل،
ولم تعاود أخته التواصل معى من جديد، أرسلت لها رسالة أطلب فيها أن أفهم الوضع،
لم ترد، ففهمت أن طلبى مرفوض، وأن مثلى لا يليق بمثلها.
لم يمر الموقف بسهولة هذه المرة، فلا أكذب عليكى شعرت بأنى شخص دون المستوى،
وأنى حتى وبعد أن أصبح معى بعض المال لا زلت لا أليق ببنات الناس،
وأنه لا يجب لمن هو فى ظروفى أن
يتطلع إلى الزواج من أساسه... اكتأبت وضاق صدرى،
فقررت أن أصرف نظر عن موضوع الزواج هذا إلى ما شاء الله.
منذ نحو شهرين كنت فى إجازتى فى مصر، وذهبت لتناول الغداء عند أحد أصدقائى الذين تعرفت عليهم
فى الغربة، تعرفت على والدته وعلى أخته، وقضيت معهم اليوم كاملا فى منزلهم الريفى الجميل،
بالرغم من أن صديقى هذا يملك عمارة 6 أدوار، وقطعة أرض كبيرة، ويعيش هو ووالدته وأخته
فى شقة تمليك كبيرة بالقاهرة، إلا أنهم لا زالوا يحتفظون ببيتهم القديم فى قريتهم،
ويذهبون إليه من حين لآخر، وكان من نصيبى أن أرافقهم هذه المرة.
تحدثنا طويلا، وضحكنا وتناولنا الغداء ثم العشاء، ثم الحلو والشاى وغيره وغيره،
ورجعت يومها أشعر بأهله وكأنهم أهلى، والدته طيبة وودودة جدا، وأخته هادئة ومهذبة وخجولة أيضا... و
لن أخفيكى سرا فكرت فيها كزوجة، ويبدو أن الأمر كان يجول بخاطر أخوها أيضا،
فما أن عدنا إلى البلد الذى نعمل فيه حتى وجدته يفاتحنى فى الأمر على استحياء،
وافتتح كلامه بأن المثل يقول (أخطب لبنتك ولا تخطبش لابنك)، وأنه يرانى الشخص المناسب
الذى يستطيع أن يأتمنه على أخته الوحيدة، والتى لم يكن لها حظ من قبل،
لأنها وبكل آسف... مطلقة... ولديها طفل أيضا!!.
لا أدرى هل ظهر ارتباكى على وجهى حينها أم لا، ولكنه أنهى حديثه معى سريعا
وقال لى أنه لن يفاتحنى فى هذا الأمر مرة أخرى، وأن لى مطلق الحرية فى القبول أو تجاهل الموضوع كله
إذا لم يعجبنى عرضه، وأكد على أنه أيا كان قرارى فلن يؤثر على صداقتنا وعلى أخوتنا فى الغربة.
رفضت الفكرة تماما فى البداية، ولكنى شيئا فشيئا بدأت أفكر فيها وأقول لنفسى ولم لا؟،
فقد جربت بدل المرة اثنتان ولم ترضى بى (بنات البنوت)، وها هى الأيام تبعث لى بمن يرضى بى
ويريدنى بل ويسعى إلى... هى طيبة وأعجبتنى من البداية، وأخوها جدع ومحترم
وساعدنى أكتر من مرة، كما أنهم لن يثقلوا على ماديا، ولن يمانعوا فى مساعدتى لأهلى
بشكل ثابت... فلما لا إذا؟، هذا ما أقوله لنفسى فى أوقات الرضا.
أما فى الأوقات الأخرى أقول لنفسى ولماذا أقبل بمن سبق لها الزواج وأنا لا زلت شابا فى هذا السن؟،
ولماذا أربى ابن غيرى؟، وأشك فى قدرتى على تحمل الوضع والقيام بمسئوليتى دون ملل أو ضجر...
وما زاد الطين بلة أن والدتى رفضت رفضا قاطعا عندما علمت بالموضوع، وبكت فى التليفون
وقالت لى "أنى مستقل بنفسى وإنى مش مقدر إنى هاكون حاجة كبيرة فى يوم من الأيام،
وأنها تتوسل إلى ألا أرمى نفسى الرمية دى!!!".
طلبت من أخوها أن أحادثها فى التليفون من حين لآخر لنتعارف أكثر، فلم يمانع،
وأصبحنا نتحدث مرة أسبوعيا تقريبا، وأنا أشعر أنها لا غبار عليها، وأنها لو كانت آنسة
لما كنت ترددت للحظة فى أن أطلبها للزواج، ولكنى غير مطمئن، وهناك شىء ما فى صدرى،
ولا أستطيع أخذ القرار... هل أنهى هذا الأمر وأكمل حياتى،
أم أقبل بها وأتزوجها لأنها عروسة على قد الحال؟