وإليكى أقول:
لست أنت أول من تعانى من مثل هذه المشكلة، و لن تكونى الأخيرة بكل تأكيد،
فنحن كمجتمع نربى أبنائنا و بكل أسف على معتقدات كثيرة خاطئة،
لا نكتشف خطأها إلا بعد أن نتأذى منها شخصيا،وقد يحدث ذلك حتى بدون وعى منا،
فقط لأننا اعتدنا ذلك و تربينا عليه، فربما لو كنتى أنت نفسك لديكى بنت و ولد،
لكنتى وجدتى نفسك تهتمين بأن يلعب الولد رياضة بينما البنت لا، بأن يكون له اجتماعيات و علاقات
و البنت لا، بأن يحصل على فرصة عمل متميزة و البنت لا...هذه حقيقة لا يمكننا إنكارها
_و أن كنا نستنكرها_ وهى أن مجتمعاتنا الشرقية توقن و تعتقد فى قرارة نفسها أن نجاح الولد
و تقدمه شئ مهم و أساسى و له اعتباره، و لكنه ليس بنفس القدر و الأهمية بالنسبة للبنت،
فالبنت كما يقولون دائما (آخرتها للجواز) و السلام!!.
بل و الأدهى من ذلك أننا نعتقد أيضا أن نجاح البنت يجرح الولد و يقلل من شأنه،
فلا البنت مسموح لها أن تتفوق على أخوها، و لا الزوجة تجرؤ على أن تتميز عن زوجها،
ولا الزميلة مقبول منها أن ترأس زميلها الرجل فى العمل، فتقدم المرأة على الرجل إهانة له،
و تعدى عليه و على مكانته_ الافتراضية_ التى منحها له المجتمع...هكذا كنا و لازلنا نفكر بكل أسف.
لهذا فان البنت المتميزة تظل تعانى طوال الوقت، فهى تعانى فى البداية لتتميز،
و تعانى فى النهاية من عدم التقدير، أو من الاضطهاد بسبب تميزها هذا،
فنادرا ما تجد الفتاه من يفهمها و يقف بجانبها و يشجعها فى طريقها، سواء من الأهل أو المجتمع
أو حتى الزوج و الذى من المفترض أن يكون أقرب الأقربين إليها.
لهذا يا عزيزتى لا تتعجبى و لا تنزعجى، فزوجك طبيعى جدا، ولا تعتقدى أنه كان سيتغير
لمجرد انه عاش نصف عمره فى بلد أوروبية، فالمعتقدات راسخة، و العقائد أصيلة،
و الأفكار عميقة بحيث لا يمكن للغربة أو للهجرة أن تغيرها.
ماذا عليكى أن تفعلى إذا؟...هذا هو المهم...
أولا: لا تستمدى ثقتك بنفسك، ولا بأهمية ما تفعليه من زوجك، فأنا أعرف أنه هو الشخص الوحيد
الذى تعرفيه فى الغربة الآن، لكن لا تسمحى لنفسك بأن تستمدى طاقتك و عزيمتك منه ولا من غيره،
استمدى القوة من إيمانك بأن ما تفعليه هو الخير، هو الحق،هو (الصح)،
فكلنا مطالبون _رجالا و نساء_ بالتعلم و التقدم، و العمل و خدمة أنفسنا و مجتمعنا بل و الإنسانية كلها،
لا تتركين إرادتك تضمحل أو تهتز لمجرد أن من حولك لا يقدرون ما تفعليه، فأنت فى النهاية
ستحاسبين وحدك على عمرك و على شبابك و على علمك، ولا دخل لأى شخص آخر بذلك.
لا ترتكبى الغلطة المعتادة التى ترتكبها معظم البنات فى حق نفسها،
و هى أن تصدق ما يحاول الآخرون إقناعها به، وهو أن ليس لها أهمية،
و أنها مهما تقدمت و تطورت فلن تضيف أى جديد، و لن تفرق شيئا فى هذه الحياة...كونى قوية،
و اعتمدى على الله ليعينك و يلهمك الطاقة و القدرة، فأنت تقومين بما هو مطلوب منك كإنسانة
فى إعمار الأرض، ثم ثقى بنفسك بغير حد و كونى متأكدة من أن لجهدك قيمة و وزن و عائد أكيد،
حتى و أن اجتهد الآخرون فى إثبات غير ذلك.
ثانيا: لا تنتظرى التقدير من زوجك أو من غيره،
فكثيرات هن من يعتقدن أنها عندما تتفوق و تكبر فى عملها، ستجد زوجها أو أهلها
هم أول من يصفقون لها، و يفخرون بها، و يعتزون بكونها تمت لهم بصلة...
يؤسفنى أن أخبرك أن هذا لا يحدث فى كثير من الأحوال، مما يخيب الآمال، و يحط من العزائم،
و يفقد الإنسان الكثير من فرحته و عزمه، لكنك عندما تعرفين ذلك مسبقا، ستكونين مؤهلة نفسيا لحدوثه،
فأنت تعملين لنفسك، و لتقدمك و لرقيك، لهذا ضعى فى اعتبارك أنه يكفيكى إحساسك أنت بنجاحك،
و لا تتوقعى أو تنتظرى أن يشعرك به الآخرون.
ثالثا: لا تتفاخرى بنفسك أمام زوجك، فهذه أيضا غلطة شائعة،
فربما لا تجدين عيبا فى أن تفرحى بلقب (دكتورة)، و تحبين أن يناديكى الناس به، حقك،
لكنك قد لا تشعرين أن هذا يثير حفيظة زوجك، وسواء كان هذا شئ من حقه أو ليس من حقه،
فالنتيجة ليست فى صالحك، فعندما تكتشفين أن زوجك يغار من عملك أو من لقبك أو من نجاحك بأى شكل،
فليس من الذكاء إثارة المزيد من غيرته أو ضيقه بالتحدث عن انجازاتك ليل نهار، أو أمام كل الناس،
كما قلت لك أنت تعملين و تنجحين و تتقدمين أولا و أخيرا لنفسك،
ومن أجل أن تجدين شيئا ما فى ميزان حسناتك فى الآخرة، لا للتفاخر بين الآخرين.
رابعا: أشعريه أن نجاحك سيعود عليه و على أولاده بشكل ما، فكما تقولين أنك تسعدين بنجاحه لأنه فى صالحك،
اجعليه يعرف مزايا نجاحك بالنسبة له، سواء أكان هذا فى شكل دخل إضافى مثلا،
أو وضع اجتماعى، أو حتى ارتفاع المستوى العلمى لأبنائكم فى المستقبل...
افتحى عينيه على ما سينفعه هو مما تفعليه أنت.
خامسا : أشعريه هو بأنك فخورة به، فربما كانت أفعاله تلك كلها لأنه يفتقد لإحساس أنك فخورة به،
أو مبهورة بنجاحاته و إمكانياته و علاقاته، امنحيه هذا...ولما لا؟،
فصدقينى قد يكون بعض التقدير منك له هو الحل، وربما تنتهى المشكلة كلها
إذا إعتدتى أن تعطيه جرعات ثابتة و مستمرة من الفخر و الاعتزاز به كزوج و كرجل.
وأخيرا من الواضح أنك شخصية قوية، عنيده، تتحدى الصعاب و لا تستسلم بسهولة،
و كما يقال (على قدر العزيمة تأتى العزائم)، لهذا أنا متأكدة من أنه مهما كانت التحديات
فلن تثنيكى عن الوصول إلى ما تريدينه... أليس كذلك؟.